للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَلَا يُشَمَّتُ بَعْدَ ثَلَاثِ كَمَا فِي الْجَامِعِ وَهُوَ النَّفْيُ مُطْلَقًا «فَإِنْ زَادَ فَهُوَ زُكَامٌ» دَاءُ الزُّكَامِ مَرَضٌ مَعْرُوفٌ مِنْ قَبِيلِ إقَامَةِ دَلِيلِ التَّالِي مَقَامَ التَّالِي فَإِنْ زَادَ فَلَا يُشَمَّتُ لِأَنَّهُ زُكَامٌ فَظَاهِرُهُ عَدَمُ جَرَيَانِ عِلَّةِ الْعُطَاسِ حِينَئِذٍ لَكِنَّ الظَّاهِرَ كَوْنُ الثَّالِثِ زُكَامًا فَقَطْ لَا الْمَجْمُوعُ ثُمَّ قِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ مُطْلَقِ الدُّعَاءِ بَلْ يَدْعُو بِدُعَاءٍ يُنَاسِبُهُ مِنْ جِنْسِ دُعَاءِ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ بِنَحْوِ شِفَاءً وَعَافِيَةً فَمَنْ فَهِمَ النَّهْيَ عَنْ مُطْلَقِ الدُّعَاءِ فَقَدْ وَهَمَ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي قَوْلِهِ فَهُوَ مَزْكُومٌ تَنْبِيهٌ عَلَى الدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ لِأَنَّ الزُّكْمَةَ عِلَّةٌ وَأَشَارَ إلَى الْحَثِّ عَلَى تَدَارُكِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَلَا يُهْمِلُهَا فَيُنَظِّمُ أَمْرَهَا وَكَلَامُ الْمُصْطَفَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُلُّهُ حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ

[تَتِمَّةٌ مُبَادَرَةُ الْعَاطِسِ بِالْحَمْدِ]

(تَتِمَّةٌ)

رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ مَنْ قَالَ عِنْدَ عَطْسَةٍ سَمِعَهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا كَانَ لِيَجِدَ وَجَعَ الضِّرْسِ وَالْأُذُنِ أَبَدًا.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «مَنْ بَادَرَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدِ عُوفِيَ مِنْ وَجَعِ الْخَاصِرَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِيَشْكُوَا ضِرْسَهُ أَبَدًا» .

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ» فَمِهِ «وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ» وَفِي نُسْخَةِ الْجَامِعِ بِالْوَاوِ بَدَلُ أَوْ «بِهَا صَوْتَهُ» أَيْ لَمْ يَرْفَعْ بِصَيْحَةٍ كَمَا يَفْعَلُ الْعَامَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ «غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ أَوْ ثَوْبِهِ» لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْأَدَبِ بَيْنَ يَدَيْ الْجُلَسَاءِ فَإِنَّ الْعُطَاسَ يَكْرَهُ النَّاسُ سَمَاعَهُ وَيَرَى الرَّاءُونَ مِنْ فَضَلَاتِ الدِّمَاغِ فَالسُّنَّةُ عِنْدَ الْعُطَاسِ وَضْعُ الْيَدِ أَوْ الثَّوْبِ عَلَى الْفَمِ وَخَفْضُ الصَّوْتِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ كَفَّيْهِ عَلَى وَجْهِهِ وَلْيَخْفِضْ صَوْتَهُ» بِالْعُطَاسِ «فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَكْرَهُ رَفْعَ الصَّوْتِ بِهِ وَبِالتَّثَاؤُبِ» كَمَا فِي حَدِيثِ «إنَّ التَّثَاؤُبَ الرَّفِيعَ وَالْعَطْسَ الشَّدِيدَ مِنْ الشَّيْطَانِ» وَالْحَدِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا

(خ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْعُطَاسَ» لِمَا عَرَفْت أَنَّهُ سَبَبًا لِخِفَّةِ الدِّمَاغِ وَاسْتِفْرَاغِ الْفَضَلَاتِ وَصَفَاءِ الرُّوحِ النَّفْسَانِيِّ وَيُقَوِّي الْحَوَاسَّ إذْ بِهِ تَنْدَفِعُ الْأَبْخِرَةُ الْمُحْتَقِنَةُ فِيهِ فَيُعِينُ صَاحِبَهُ عَلَى الطَّاعَاتِ وَلِهَذَا عَدَّهُ الشَّارِعُ نِعْمَةً وَجَعَلَ الْحَمْدَ عَقِيبَهُ سُنَّةً «وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ» لِأَنَّهُ يُورِثُ الْغَفْلَةَ وَالْكَسَلَ وَسُوءَ الْفَهْمِ وَيَمْنَعُ صَاحِبَهُ عَنْ الطَّاعَةِ وَلِذَا سَنَّ الشَّارِعُ بِهِ الْكَظْمَ قِيلَ مَا تَثَاءَبَ بِي قَطُّ وَلِذَا كَرِهَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحَبَّ الْعُطَاسَ وَهُوَ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ الِامْتِلَاءِ وَثِقَلِ النَّفْسِ وَكُدُورَةِ الْحَوَاسِّ.

«فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ» فَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ لَا يَسْتَحِقُّ التَّشْمِيتَ وَقَدْ سَمِعْت أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعَاطِسُ مِمَّنْ يَحْمَدُ فَيَأْتِي بِهِ وَإِلَّا فَيَذْكُرُهُ وَإِنَّمَا قَالَ فَحَقٌّ لِمَا أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عِنْدَ بَعْضِ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ فَرْضٌ كِفَايَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ سُنَّةٌ «أَنْ يَقُولَ يَرْحَمُك اللَّهُ تَعَالَى» ثُمَّ لِيَقُلْ الْعَاطِسُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ لِمَا فِي حَدِيثٍ الْجَامِعِ «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلْيَقُلْ لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَلْيَقُلْ هُوَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>