للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَلِكَ (تَنْوِيرُهُ) أَيْ إنَارَتُهُ (بِالِاسْتِدْلَالِ لِلْخُرُوجِ عَنْ التَّقْلِيدِ) ، وَالتَّقْلِيدُ وَإِنْ جَائِزًا عِنْدَنَا لَكِنْ يُؤْثَمُ قَالَ فِي الْأُصُولِ لَا تَقْلِيدَ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ عِنْدَنَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَعْرِفَةِ بِالصَّانِعِ وَإِنْ جَائِزًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيِّ وَوَاجِبًا عِنْدَ طَائِفَةٍ كَمَا فِي زُبْدَةِ الْوُصُولِ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ لَكِنْ كَوْنُ عِلْمِ الْحَالِ سِيَّمَا مَا فِي مُعْتَقَدِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ فُرُوضِ الْعَيْنِ عَلَى إطْلَاقِهِ مَنْظُورٌ فِيهِ لَا سِيَّمَا مَا يَجِبُ تَنْوِيرُهُ إذْ سَيُسْمَعُ مِنْ الصِّنْفِ كَوْنُ ذَلِكَ عَلَى الْكِفَايَةِ.

قَالَ الدَّوَانِيُّ: يَجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ تَفْصِيلُ الدَّلَائِلِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إزَالَةِ الشُّبْهَةِ وَإِلْزَامِ الْمُعَانِدِينَ وَإِرْشَادِ الْمُسْتَرْشِدِينَ. وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ حَدٍّ مِنْ الْمَسَافَةِ الْقُصْوَى مِنْ شَخْصٍ مُتَّصِفٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَيُسَمَّى الْمَنْصُوبُ بِالذَّبِّ وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ إخْلَاءُ الْمَسَافَةِ الْقُصْوَى عَنْ مِثْلِ هَذَا الشَّخْصِ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إخْلَاءُ مَسَافَةِ الْعَدْوَى عَنْ الْعَالِمِ بِظَوَاهِرِ الشَّرِيعَةِ، وَالْأَحْكَامِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْعَامَّةُ وَإِلَى اللَّهِ الْمُشْتَكَى مِنْ زَمَانٍ انْطَمَسَ فِيهِ مَعَالِمُ الْعِلْمِ، وَالْفَضْلِ وَعَمَرَ فِيهِ مَرَابِطُ الْجَهْلِ وَتَصَدَّى لِرِيَاسَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالتَّمَيُّزِ مَنْ عُرِّيَ عَنْ الْعِلْمِ، وَالتَّمَيُّزِ مُتَوَسِّلًا فِي ذَلِكَ بِالْحَوْمِ حَوْلَ الظُّلْمَةِ ثُمَّ قَالَ مَا قَالَ.

[الصِّنْفُ الثَّانِي فِي فَرْضُ الْكِفَايَةِ]

(الصِّنْفُ الثَّانِي)

مِنْ صِنْفَيْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ (فِي) عُلُومٍ هِيَ (فَرْضُ الْكِفَايَةِ) بِحَيْثُ إذَا عَلِمَهَا الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِذَا تَرَكَ الْكُلُّ أَثِمُوا.

قَالَ حَفِيدٌ السَّعْدُ فِي أُنْمُوذَجِ الْعُلُومِ: الْقِيَامُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ بِفَرْضِ الْعَيْنِ.

وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ قِيَاسَ مَا ذَكَرُوهُ يَقْتَضِي تَفْضِيلَ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ كَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَابْتِدَاءِ السَّلَامِ عَلَى سُنَّةِ الْعَيْنِ. ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ جَعْلَ التَّشْمِيتَ أَفْضَلَ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَجَعَلَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ أَفْضَلَ مِنْ الْمَفْرُوضَةِ بَعِيدٌ وَأَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي الْعَيْنِ يُشْعِرُ بِشَرَفِهِ يُرَدُّ عَلَيْهِ: إنَّ تَرْكَ الْوَاحِدِ وَاحِدَةً مِنْ الْمَفْرُوضَةِ لَيْسَ كَتَرْكِ الْعَامَّةِ صَلَاةَ جِنَازَةٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الشَّنَاعَةَ فِي هَذَا أَكْثَرُ.

وَقِيلَ أَيْضًا: إنَّ مَا فُرِضَ حَقًّا لِلنَّفْسِ فَقَطْ فَأَهَمُّ عِنْدَهَا، وَأَشَقُّ فَأَفْضَلُ وَمَا فُرِضَ لِلْعَامَّةِ، وَالْآتِي وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَالْأَمْرُ إذَا عَمَّ خَفَّ وَإِذَا خَصَّ ثَقُلَ.

وَعَنْ الْعَيْنِيِّ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْكِفَايَةَ لِإِسْقَاطِ الْحَرَجِ عَنْ الْأُمَّةِ وَبِالتَّرْكِ يَعْصِي كُلُّ الْأُمَّةِ كَانَ أَفْضَلَ (وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِحَالِ غَيْرِهِ أَعْنِي الْفِقْهَ كُلَّهُ) وَرَاءَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ سَابِقًا مِنْ قَدْرِ عِلْمِ الْحَالِ فَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ كُلَّهُ لَكَانَ أَوْلَى لِإِيهَامِهِ شُمُولَ هَذَا النَّوْعِ وَهُوَ فَرْضٌ وَلَوْ أُرِيدَ مِنْ الْفِقْهِ مَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْأُصُولِيِّ مِنْ عِلْمِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا عَنْ دَلِيلِهَا وَأَبْقَى لَفْظَ الْكُلِّ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ يَبْعُدْ.

وَأَيْضًا لَوْ جَعَلَ ذَلِكَ قَيْدًا لِقَوْلِهِ بِحَالِ غَيْرِهِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ أَيْضًا لَعَلَّ وَجْهَ التَّأْكِيدِ الشُّمُولُ إلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْفِقْهِ عِبَادَاتٌ وَمُعَامَلَاتٌ وَدِيَانَاتٌ (وَعِلْمَ التَّفْسِيرِ) أَيْ مَعَانِي الْقُرْآنِ (وَالْحَدِيثِ) مَعَانِي أَقْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ مُخَالِفٍ يَحْتَجُّ بِظَاهِرِ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ بِمَعْنًى غَيْرِ مُرَادٍ أَوْ ظُهُورِ شُبْهَةٍ لِشَخْصٍ فَيَحْتَاجُ إلَى حَلِّهِ يَشْكُلُ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ مَعَانِي الْقُرْآنِ، وَالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ إنَّمَا تَتَيَسَّرُ لِلْمُجْتَهِدِ، وَالْمُجْتَهِدُ فِي زَمَانِنَا مُنْقَرِضٌ وَقَدْ أَغْنَى عَنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَانِنَا عِلْمُ الْكَلَامِ، وَالْفِقْهِ وَأَنَّ أَدِلَّةَ الْمُقَلِّدِ لَيْسَتْ إلَّا قَوْلَ الْمُجْتَهَدِ.

وَلِهَذَا إذَا ظَهَرَ التَّعَارُضُ بَيْنَ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ وَبَيْنَ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ فَيُقَدَّمُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ لِلْمُجْتَهِدِ فَلَعَلَّ لِتِلْكَ الْآيَةِ مَثَلًا مُعَارِضًا أَوْ مُخَصَّصًا أَوْ تَأْوِيلًا أَوْ نَاسِخًا اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمُجْتَهِدُ وَلَمْ تَطَّلِعْ أَنْتَ (وَالْأُصُولِيِّينَ) بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ أَيْ عِلْمِ الْكَلَامِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ مُبْتَدِعٍ فِي الِاعْتِقَادِ أَوْ مُشَكِّكٍ فِي الْفِقْهِ يَشْكُلُ أَيْضًا أَنَّ الْأُصُولَ مُخْتَصٌّ بِالْمُجْتَهِدِ وَأَنَّ أَثَرَهُ هُوَ الِاجْتِهَادُ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْفَقِيهِ وَقَدْ عَرَفْت انْقِرَاضَهُ وَعَدَمَ إمْكَانِهِ فِي زَمَانِنَا. وَقَدْ قِيلَ بِانْقِرَاضِ الِاجْتِهَادِ فِي سَنَةِ أَرْبَعِمِائَةٍ إلَّا أَنْ يُدَّعَى عَدَمُ انْقِرَاضِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْمَذْهَبِ بِجَوَازِ تَحَرِّي الِاجْتِهَادِ وَلَوْ مَذْهَبًا مَرْجُوحًا (وَالْقِرَاءَةُ) الظَّاهِرُ بِجَمِيعِ الْقِرَاءَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَالْمَشْهُورَةِ بَلْ الْآحَادُ، وَالشُّذُوذُ لِئَلَّا يَلْزَمَ نَفْيُ قُرْآنِيَّةِ مَا كَانَ قُرْآنًا

<<  <  ج: ص:  >  >>