للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ الْغِشِّ أَوْ شُبْهَتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا خَرَّجَهُ الشَّيْخَانِ) الْمَرْمُوزِ لَهُمَا بِقَوْلِهِ (خ م.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ»

إيمَانًا كَامِلًا مِنْ قَبِيلِ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ «حَتَّى يُحِبَّ» بِالنَّصْبِ فَجَارَّةٍ مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ لَا عَاطِفَةٍ إذْ عَدَمُ الْإِيمَانِ لَيْسَ سَبَبًا لِلْمَحَبَّةِ «لِأَخِيهِ» مِنْ مُطْلَقِ الْخَيْرِ فَمَنْ قَصَرَهُ عَلَى كَفِّ الْأَذِي فَقَدْ قَصَّرَ وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُجْعَلَ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ وَطْءِ حَلِيلَتِهِ لِأَنَّهُ يُحِبُّ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ إذْ لَيْسَ نَحْوُهُ خَيْرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَيْرِ وَالْخَيْرُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ تَعُمُّ الطَّاعَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ وَتُخْرِجُ الْمَنْهِيَّاتِ وَالْمَحَبَّةُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّوَوِيِّ الْمَيْلُ إلَى مَا يُوَافِقُ الْمُحِبَّ وَقَدْ يَكُونُ بِحَوَاسِّهِ كَحُسْنِ الصُّورَةِ أَوْ بِعَقْلِهِ إمَّا لِذَاتِهِ كَالْفَضْلِ وَالْكَمَالِ أَوْ لِإِحْسَانِهِ كَجَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَيْلُ الِاخْتِيَارِيُّ دُونَ الْقَهْرِيِّ.

«مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»

مِنْ ذَلِكَ وَأَنْ يُبْغِضَ لِأَخِيهِ مَا يُبْغِضُ لِنَفْسِهِ مِنْ السُّوءِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّ حُبَّ الشَّيْءِ مُسْتَلْزِمٌ بُغْضَ نَقِيضِهِ وَذَلِكَ لِيَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ أَشْكَلَ عَلَى الْحَدِيثِ بِأَنَّ كُلًّا مَجْبُولٌ عَلَى إيثَارِ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَكْمُلُ إيمَانُ أَحَدٍ إلَّا نَادِرًا وَأَنْتَ خَبِيرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ اخْتِيَارِيٌّ لَا قَهْرِيٌّ وَاضْطِرَارِيٌّ وَيَقْرُبُ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ مَا هُوَ أَثَرُ الْمَحَبَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ لَا أَصْلُهُ الَّذِي هُوَ إيجَابِيٌّ ثُمَّ ذِكْرُ الْأَخِ غَالِبِيٌّ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحِبَّ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ الْإِسْلَامَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخُيُورِ وَالْأُجُورِ بَلْ مُطْلَقُ مَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي ذِمَّةِ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ إرَادَةُ الْأُخُوَّةِ الطِّينِيَّةِ بِمُسَامَحَةٍ يَسِيرَةٍ وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ انْتِظَامُ أَحْوَالِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَالْجَرْيُ عَلَى قَانُونِ السَّدَادِ وَأَمَّا مَحَبَّةُ خَيْرٍ كَانَ فِي غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ عَلَى طَرِيقِ الْحَسَدِ فَحَرَامٌ وَإِنْ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَافَسَةِ وَالْغِبْطَةِ بِأَنْ حَزِنَ فِي خَيْرٍ فَاقَ فِيهِ غَيْرَهُ عَلَى تَقْصِيرٍ مِنْهُ فَجَائِزٌ بَلْ مُسْتَحَبٌّ وَأَمَّا خَبَرُ «لَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ» فَنَهْيٌ عَنْ الْحَسَدِ هَذَا تَلْخِيصُ مَا فِي الْفَيْضِ ثُمَّ قِيلَ عَنْ الرَّوْضَةِ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ شَرِيكٌ فِي التِّجَارَةِ يُقَالُ لَهُ بِشْرٌ فَخَرَجَ بِتِجَارَةٍ إلَى مِصْرَ فَبَعَثَ إلَيْهِ الْإِمَامُ سَبْعِينَ ثَوْبًا وَكَتَبَ إلَيْهِ أَنَّ فِيهَا ثَوْبًا مَعِيبًا بِعَلَامَةِ كَذَا فَإِذَا بِعْته فَبَيِّنْ عَيْبَهُ فَعِنْدَ مَجِيءِ بِشْرٍ سُئِلَ مِنْهُ هَلْ بَيَّنْت ذَلِكَ الْعَيْبَ قَالَ بِشْرٌ نَسِيته فَتَصَدَّقَ الْإِمَامُ بِجَمِيعِ مَا أَصَابَهُ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ وَكَانَ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَمِنْهُ النَّجْشُ الَّذِي هُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ بِلَا إرَادَةِ الشِّرَاءِ لِمُجَرَّدِ تَحَرِّيك رَغْبَةِ الْمُشْتَرِي وَمِنْهُ السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ وَمِنْهُ تَلَقِّي الْجَلْبِ إنْ ضَرَّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ وَمِنْهُ بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي عِنْدَ الْقَحْطِ لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ وَمِنْهُ الِاحْتِكَارُ عِنْدَ تَضَرُّرِ أَهْلِ الْبَلَدِ.

[الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ الْفِتْنَةُ]

(الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ الْفِتْنَةُ وَهِيَ إيقَاعُ النَّاسِ فِي الِاضْطِرَابِ أَوْ الِاخْتِلَالِ وَالِاخْتِلَافِ وَالْمِحْنَةِ وَالْبَلَاءِ بِلَا فَائِدَةٍ دِينِيَّةٍ)

وَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ فَسَادٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>