للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَظْهَرُ إلَّا بِلُزُومٍ خَفِيٍّ.

وَعَنْ الْحَسَنِ أَخَذَ إبْلِيسُ أَوَّلَ دِرْهَمٍ ضُرِبَ فَوَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَقَالَ مَنْ أَحَبَّك فَهُوَ عَبْدِي، وَعَنْ وَهْبٍ قَالَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِإِبْلِيسِ مَا أَنْتَ صَانِعٌ بِأُمَّةِ عِيسَى قَالَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَيْ لَأَشْغَلَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ إلَهَيْنِ قَالَ فَمَا أَنْتَ صَانِعٌ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ حَتَّى يَكُونَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَشْهَى مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَ سُلَيْمَانُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَهَبَ كَمَا فِي تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ. (ت عَنْ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً» امْتِحَانًا وَاخْتِبَارًا، وَقَالَ الْقَاضِي ضَلَالًا، وَعِصْيَانًا «، وَإِنَّ فِتْنَةَ أُمَّتِي الْمَالُ» ؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ الْبَالَ عَنْ الْقِيَامِ بِالطَّاعَةِ وَيُنْسِي الْآخِرَةَ.

[مَبْحَثٌ فِي سَبَبِ حُبِّ الْمَالِ وَعِلَاجِهِ]

(الْمَبْحَثُ الثَّانِي) . (فِي سَبَبِ حُبِّ الْمَالِ وَعِلَاجِهِ. وَسَبَبُهُ ثَلَاثَةٌ. الْأَوَّلُ: حُبُّ الْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ) فَيَجْتَهِدُ فِي الْكَسْبِ لِإِغْنَائِهِمْ عَنْ الِاحْتِيَاجِ (وَعِلَاجُهُ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّ الَّذِي خَلَقَهَا) أَيْ الْأَنْفُسَ الْمَذْكُورَةَ (خَلَقَ مَعَهَا رِزْقَهَا) قَالَ اللَّه تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] ، وَأَوْجَدَ رِزْقَ كُلٍّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَكَتَبَ آجَالَهُمْ، وَأَعْمَارَهُمْ، وَأَرْزَاقَهُمْ وَمَنْ رَامَ مِنْهُمْ فَوْقَ مَا فُرِضَ لَهُ مِنْ الرِّزْقِ فَقَدْ كَدَّ نَفْسَهُ، وَأَتْعَبَ جِسْمَهُ، وَلَمْ يَأْتِ إلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ» ، وَفِي الْجَامِعِ أَيْضًا الرِّزْقُ أَشَدُّ طَلَبًا لِلْعَبْدِ مِنْ أَجَلِهِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ بِهِ وَضَمِنَهُ وَوَعْدُهُ لَا يَتَخَلَّفُ وَضَمَانُهُ لَا يَتَأَخَّرُ؛ وَلِذَا قَالَ بَعْضٌ: الرِّزْقُ يَطْرُقُ عَلَى صَاحِبِهِ الْبَابَ وَالرِّزْقُ يَطْلُبُ الْمَرْزُوقَ وَبِسُكُونِ أَحَدِهِمَا يَتَحَرَّكُ الْآخَرُ قَالَ الْغَزَالِيُّ قَدْ قَسَمَ اللَّهُ الْأَرْزَاقَ وَكَتَبَهَا فِي اللَّوْحِ، وَقَدَّرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا يَأْكُلُهُ وَيَشْرَبُهُ وَيَلْبِسُهُ كُلٌّ بِمِقْدَارٍ مُقَدَّرٍ وَبِوَقْتٍ مُوَقَّتٍ لَا يَزِيدُ، وَلَا يَنْقُصُ، وَلَا يَتَقَدَّمُ، وَلَا يَتَأَخَّرُ كَمَا كُتِبَ بِعَيْنِهِ فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَحْرِصَ فِي رِزْقِهِ بَلْ يَكِلَهُ إلَى اللَّهِ الَّذِي تَوَلَّى الْقِسْمَةَ فِي خَلْقِهِ.

(وَكَمْ مِنْ وَلَدٍ لَمْ يَرِثْ عَنْ أَبِيهِ مَالًا) كَأَوْلَادِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَصَابَ كُلًّا مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا مِنْ أَبِيهِ (وَحَالُهُ أَحْسَنُ مِمَّنْ وَرِثَ) عَنْ أَبِيهِ مَالًا عَظِيمًا كَأَوْلَادِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ حَيْثُ اقْتَسَمُوا الذَّهَبَ بِالْمَكَايِيلِ وَبَعْدَ زَمَانٍ قِيلَ سَأَلَ بَعْضُهُمْ النَّاسَ لِفَاقَتِهِ (وَ) أَنْ يَتَذَكَّرَ (أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا أَتْقِيَاءَ فَيَكْفِيهِمْ اللَّهُ تَعَالَى) بِوَعْدِهِ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: ٢] {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: ٣] ، وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «يَا دُنْيَا اُخْدُمِي مَنْ خَدَمَنِي، وَأَتْعِبِي مَنْ خَدَمَك» لَكِنْ يَشْكُلُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ وَوُجُوبِ الْكَسْبِ لِنَفْسِهِ وَلِعِيَالِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً فَيَسْتَعِينُونَ بِمَالِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَتَرْجِعُ مَظْلِمَتُهُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ مَالَهُ آلَةً لِفِسْقِهِمْ وَظُلْمِهِمْ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا التَّرْدِيدِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ عَيَّرَهُ وَاحِدٌ مِمَّنْ يَعُودُهُ بِعَدَمِ تَرْكِهِ شَيْئًا لِأَبْنَائِهِ الِاثْنَيْ عَشَرَ (إنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ) اسْتِعَانَتَهُمْ بِهِ عَلَى الْفِسْقِ وَالظُّلْمِ، وَإِلَّا فَلَا تَرْجِعُ مَظْلِمَتُهُ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا فِي الْفَتَاوَى: الْوَصِيَّةُ بِتَمَامِ الثُّلُثِ أَفْضَلُ عِنْدَ كَوْنِ الْوَرَثَةِ كِبَارًا فَسَقَةً.

(وَ) السَّبَبُ (الثَّانِي التَّلَذُّذُ بِوُجُوبِ الْمَالِ وَرُؤْيَتِهِ وَتَقْلِيبِهِ بِيَدِهِ، وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ) بِأَنْ تَمَكَّنَ حُبُّهُ فِي قَلْبِهِ، وَهَذَا شَأْنُ الْمُحِبِّ مَعَ مَحْبُوبِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>