السَّلَفِ حَتَّى قِيلَ لَمْ يَجِئْ مِثْلُهُ فِي الْعَدَالَةِ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ الِاحْتِجَاجَ بِكَلَامِهِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ مَا أُخِذَ عَنْ الْعُلَمَاء وَالصُّلَحَاءِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يُحْسَنُ فِيهِ الظَّنُّ فَمُقَدَّمَةٌ خَطَابِيَّةٌ تَنْفَعُ فِي مَقَامِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ (أَنَّهُ قَالَ مَا كَذَبْت كِذْبَةً) وَاحِدَةً أَوْ حَقِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً (مُنْذُ شَدَدْت عَلَيَّ إزَارِي) أَيْ مُنْذُ قَدَرْت عَلَى شَدِّ الْإِزَارِ وَيُمْكِنُ بَعْدَ سِتِّ سَنَوَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَيُرَادُ وَقْتَ صِبَا الْعَاقِلِ وَقَدْ يُفَسَّرُ بِالْبُلُوغِ فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ اهْتِمَامِ السَّلَفِ فِي حَقِّ الْكَذِبِ (وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ بَعْضِ الزُّهَّادِ أَنَّهُ اشْتَرَى قُطْنًا لِغَزْلِ امْرَأَتِهِ) فَالْقُطْنُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِأَجْلِ امْرَأَتِهِ فَالْقُطْنُ لِلْمَرْأَةِ وَفِيهِ نُدِبَ كَوْنُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِنَفْسِهِ إذْ فِعْلُ الْمَشَايِخِ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ النَّدْبِ غَالِبًا (فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ إنَّ بَاعَةَ) جَمْعَ بَائِعٍ أَصْلُهُ بَيْعَةٌ (الْقُطْنِ قَوْمُ سَوْءٍ قَدْ خَانُوك فِي هَذَا الْقُطْنِ) إمَّا بِكَوْنِ ثَمَنِهِ غَالِيًا أَوْ بِكَوْنِهِ رَدِيئًا وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْقُطْنِ أَوْ بِنُقْصَانِ وَزْنِهِ أَوْ بِإِدْرَاجِ قَبِيحٍ فِي مَلِيحٍ (فَطَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ) عَنْ سَبَبِ تَطْلِيقِهِ (فَقَالَ إنِّي رَجُلٌ غَيُورٌ) كَثِيرُ الْغَيْرَةِ (أَخَافُ أَنْ يَكُونَ الْقَطَّانُونَ) بَائِعُو الْقُطْنِ (خُصَمَاءَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قِيلَ أَيْ سَبَبُ اغْتِيَابِهَا لَهُمْ يَشْكُلُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الِاغْتِيَابِ مَعْرِفَةُ الْمُخَاطَبِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى طَرِيقِ الشَّتْمِ وَالسَّبِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْمَ كَالْقَرْيَةِ فِيمَا سَبَقَ عَنْ قَاضِي خَانْ يَشْمَلُ أَهْلَ الصَّلَاحِ وَالصِّبْيَانِ فَيَكُونُ مَجْهُولًا فَلَا يَكُونُ غِيبَةً وَأَيْضًا الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقِ الِاهْتِمَامِ لَا السَّبَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ الْغَضَبِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّظَلُّمِ بَلْ يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الزَّوْجَةِ عَلَى طَرِيقِ التَّحْذِيرِ وَالْإِيذَانِ لِئَلَّا يَشْتَرِيَ مِنْهُمْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَمَا فِي حَاشِيَةِ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي مِنْ أَنَّ الْقَوْمَ السَّوْءَ مَعْلُومٌ لِلْمُخَاطَبِ وَأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الشَّتْمِ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَاسِمٍ لِمَادَّةِ الْإِشْكَالِ لَعَلَّ الْحَقَّ فِي الْجَوَابِ أَنَّ هَذَا طَرِيقُ أَهْلِ الْوَرَعِ وَالْعَزِيمَةِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الشُّرُوطِ لِأَهْلِ الْفَتْوَى وَالرُّخْصَةِ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ الْأَحْكَامَ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ (فَيُقَالُ) فِي الْقِيَامَةِ فِي مَحْضَرِ أَهْلِ الْعَرَصَاتِ (إنَّ امْرَأَةَ فُلَانٍ تَعَلَّقَ بِهَا الْقَطَّانُونَ) الظَّاهِرُ أَنَّ التَّعَلُّقَ الْمُوجِبَ لِلْغَيْرَةِ أَنْ يَكُونَ بِالْجَسَدِ وَالْبَدَنِ كَالتَّعَلُّقِ بِالْيَدِ عَلَى يَدِهَا أَوْ ثَوْبِهَا كَمَا فِي الدُّنْيَا لِأَجْلِ امْتِنَاعِ الْخَصْمِ عَنْ الْمُرَافَعَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ التَّعَلُّقَ الْمُوجِبَ لِلْغَيْرَةِ إنَّمَا هُوَ لِخَوْفِ قَصْدِ السُّوءِ وَلَا شَكَّ أَيْضًا فِي انْتِفَاءِ احْتِمَالِهِ هُنَالِكَ وَأَيْضًا إنَّ الطَّلَاقَ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ لَكِنْ لَا تَخْفَى مَذْمُومِيَّتُهُ لِأَجْلِ مِثْلِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لِذَلِكَ قَالَ أَخَافُ أَنْ يَكُونُوا خُصَمَاءَهَا وَلَمْ يَجْزِمْ بِهِ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ وَأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ التَّعَسُّرِ وَمَا لَا يُطَاقُ فَلَا يُكَلِّفُ الشَّرْعُ بِهِ، لَعَلَّ الْأَقْرَبَ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّطْلِيقَ لَيْسَ لِأَجْلِ الْغِيبَةِ بَلْ لِلْكَذِبِ فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ وَيَعْرِفُ صَلَاحَهُمْ الشَّيْخُ أَوْ لِسُوءِ الظَّنِّ بِهِمْ فَتَأَمَّلْ (فَلِأَجْلِ ذَلِكَ طَلَّقْتهَا) لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ بَلْ عَلَى طَرِيقِ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ تَطْلِيقُ تَارِكَةِ الصَّلَاةِ فَضْلًا عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ
[الصِّنْفُ الثَّالِثُ فِي آفَاتِ الْأُذُنِ اسْتِمَاعُ كُلِّ مَا لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ بِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ]
(الصِّنْفُ الثَّالِثُ فِي آفَاتِ الْأُذُنِ)
مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ (فَمِنْهَا اسْتِمَاعُ كُلِّ مَا لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ بِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ) كَمَا فِي جَمِيعِ آفَاتِ اللِّسَانِ كَالْغِنَاءِ وَالْغِيبَةِ (دُنْيَوِيَّةٍ) وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ (كَخَوْفِ الْهَلَاكِ) نَفْسًا أَوْ عِرْضًا أَوْ لَا عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِمَاعِ (وَأَخْذِ الْحَقِّ) بِأَنْ لَا يَصِلَ إلَيْهِ إلَّا بِذَلِكَ (وَكَسْبِ الْمَعَاشِ) بِأَنْ لَا يُمْكِنَ أَوْ يَعْسُرَ الْأَخْذُ أَوْ الْكَسْبُ بِدُونِ الِاسْتِمَاعِ (أَوْ) بِلَا ضَرُورَةٍ (دِينِيَّةٍ كَإِقَامَةِ وَاجِبٍ أَوْ سُنَّةٍ كَتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ) فَإِنَّ مِقْدَارَ مَنْ يَكْفِي الدَّفْنَ مِنْ الرِّجَالِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَمَا زَادَ سُنَّةٌ فَلِإِقَامَةِ هَذَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute