للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوَانِ (وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ) فَإِنَّ كُلَّ عَادِيٍّ لَا يُحْتَرَزُ عَنْهُ بَلْ مَا يَلْزَمُ احْتِرَازُهُ هُوَ مَا يَكُونُ سَيِّئَةً لِتَخَالُفِهِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَالْعَطْفُ كَعَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ أَوْ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ وَالْعَادَةُ أَمْرٌ مُتَكَرِّرٌ أَكْثَرِيٌّ وَالسَّيِّئَةُ الْقَبِيحَةُ الْمُنْكَرَةُ فِي الشَّرْعِ (وَالْبِدَعُ) جَمْعُ بِدْعَةٍ مِنْ الْإِبْدَاعِ بِمَعْنَى الْوُجُودِ بَعْدَ الْعَدَمِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ (الْمُحْدَثَةُ) صِفَةُ تَوْضِيحٍ أَوْ تَأْكِيدٍ لِمَقَامِ الِاهْتِمَامِ أَوْ ذَمٍّ لِتَنْفِيرِ الْأَنَامِ إذْ الْمُرَادُ حُدُوثُهُ بَعْدَ سَيِّدِ الْأَنَامِ زِيَادَةً أَوْ نُقْصَانًا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصًا بِمَعْنَى أَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ مُحْدَثَةً كَمَا لَا يَكُونُ فِيهِ إشَارَةٌ مِنْ الشَّارِعِ أَصْلًا وَغَيْرَ مُحْدَثَةٍ كَمَا تَكُونُ ذَاتُهَا مُحْدَثَةً لَكِنْ فِيهَا إشَارَةٌ مِنْ الشَّارِعِ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُحْدَثَةً (وَالِاقْتِصَادُ) مِنْ اقْتَصَدَ فِي النَّفَقَةِ إذَا لَمْ يُسْرِفْ وَلَمْ يَقْتُرْ فَيَكُونُ كَمَا عَرَفْت بِمَعْنَى التَّوَسُّطِ وَلَوْ قَدَّمَ الِاقْتِصَادَ عَلَى الْبِدْعَةِ لَكَانَ أَوْلَى إذْ الْبِدْعَةُ تَكُونُ بِالْمُخَالَفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِمَا يُفْهَمُ مِنْهُمَا مِنْ الِاقْتِصَادِ (فِي الْأَعْمَالِ) لَا أَعْلَمُ وَجْهَ تَخْصِيصِ الِاقْتِصَادِ بِالْأَعْمَالِ مَعَ مَرْدُودِيَّةِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ فِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ أَيْضًا وَتَعْمِيمُ الْعَمَلِ لِلْجَمِيعِ وَلَوْ سُلِّمَ صِحَّتُهُ فِي نَفْسِهِ لَا يُسَاعِدُ مَا سَيَبْحَثُ عَنْهُ وَدَعْوَى عَدَمِ جَرَيَانِ الِاقْتِصَادِ فِيهَا تَحَكُّمٌ بَلْ خِلَافُ مَا وَقَعَ كَالْمُعْتَزِلَةِ لِإِفْرَاطِهِمْ فِي التَّوْحِيدِ أَنْكَرُوا صِفَاتِهِ تَعَالَى (وَالتَّوْسِيطُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِلِاقْتِصَادِ وَكَذَا قَوْلُهُ (وَالِاجْتِنَابُ) عَطْفُ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ (عَنْ الطَّرَفَيْنِ) أَعْنِي (الْإِفْرَاطَ وَالتَّفْرِيطَ) كَمَا عَرَفْت مَعْنَاهُمَا لَا مَا قِيلَ مِنْ مُوجِبِ الْمَلَلِ وَالتَّرْكِ وَلِكَوْنِ الْمَقَامِ مِمَّا يَقْتَضِيه زِيَادَةُ الِاهْتِمَامِ أَكْثَرَ الْمُصَنِّفُ اسْتِعْمَالَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يُسْتَغْنَى بِالْبَعْضِ مِنْهَا عَنْ الْآخَرِ وَإِلَّا فَيَكْفِي الِاكْتِفَاءُ بِمُطْلَقِ الِاعْتِصَامِ وَالِاحْتِرَازِ وَالِاقْتِصَادِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَضْعُ الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا قَدَّمَ هَذَا الْبَابَ عَلَى الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ أَصْلُ الْجَمِيعِ وَدَلِيلُهُ فَيَكُونُ كَالْمُقَدَّمَةِ أَمَّا الِاعْتِصَامُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَظَاهِرٌ.

وَأَمَّا الِاحْتِرَازُ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَقَاصِدِ لَكِنْ هُوَ كَالِاقْتِصَادِ الَّذِي هُوَ كَشَرْطِ الْمَقَاصِدِ الَّتِي تَتَوَقَّفُ هِيَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ اعْتِدَادُهَا شَرْعًا لَكِنْ يُرَدُّ أَنَّ التَّحَفُّظَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إنَّمَا هُوَ وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ فِيهِ لِغَيْرِهِ حَظٌّ لِأَنَّهُ غَيْبٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ إلَّا الْفُقَهَاءَ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَكَذَا الْحَدِيثُ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاجْتِهَادِيَّاتِ وَلَيْسَ جَمِيعُ النُّصُوصِ مِنْهَا بَلْ بَعْضُهَا صَرَائِحُ كَالْمُحْكَمَاتِ وَالْمُفَسَّرَاتِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فِيهِ خَفَاءٌ كَالْمُشْكِلِ وَالْمُجْمَلِ وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْكُنْهِ وَيَكْفِي الْوَجْهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَيَسْتَوِي فِيهَا الْعُلَمَاءُ الْعَامِّيُّ مَعَ الْأَوْحَدِيِّ يَعْنِي الْمُجْتَهِدَ بَلْ تَفَرَّدَ الْمُجْتَهِدُ فِي الْقِيَاسِ فَقَطْ عِنْدَ بَعْضٍ لَعَلَّ الْأَقْرَبَ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النُّصُوصِ هُنَا لَيْسَ اسْتِخْرَاجَ الْأَحْكَامِ ابْتِدَاءً بَلْ الْمَقْصُودُ مَعْرِفَةُ وُجُوهِ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ قِيلَ وَمَطَالِعُهَا لِيَكُونَ فِي الْقَبُولِ أَسْرَعَ وَأَنْفَعَ (وَهُوَ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ)

[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ مُطْلَقُ الِاعْتِصَامِ]

[النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي الِاعْتِصَامِ بِالْقُرْآنِ]

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)

يَعْنِي مُطْلَقَ الِاعْتِصَامِ (نَوْعَانِ النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي الِاعْتِصَامِ) أَيْ التَّمَنُّعُ وَالتَّحَفُّظُ فِي جَمِيعِ مَا أُشِيرَ سَابِقًا مِنْ الِاعْتِقَادِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَفْعَالِ وَقِيلَ الِاحْتِفَاظُ عَلَى النَّفْسِ وَالدِّينِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ (بِالْكِتَابِ الْكَرِيمِ وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ) فِي التَّوْصِيفِ بِالْكَرَمِ وَالْعَظَمَةِ إشَارَةً إلَى قُوَّةِ رَوَاجِ حُكْمِهِ إلَى جِهَةِ دَلَالَتِهِ وَتَوْضِيحِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ مِنْ الِاحْتِفَاظِ لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ الِاعْتِصَامِ هُنَا ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاعْتِصَامِ وَفَائِدَتِهِ وَقُوَّةِ حُكْمِهِ وَأَثَرِهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ.

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَوْعَيْنِ أَيْضًا الْأَوَّلُ (الْآيَاتُ) الدَّالَّةُ عَلَى لُزُومِ الِاعْتِصَامِ مَثَلًا جَمْعُ آيَةٍ فِي الْقَامُوسِ الْآيَةُ الْعَلَامَةُ وَالْعِبْرَةُ وَالْأَمَارَةُ وَمِنْ الْقُرْآنِ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ إلَى انْقِطَاعِهِ وَهَذَا قَرِيبٌ إلَى مَا يُقَالُ الْآيَةُ طَائِفَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ مُنْقَطِعَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا.

قَالَ الْجَعْبَرِيُّ هِيَ قُرْآنٌ مُرَكَّبٌ مِنْ جُمَلٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا ذُو مَبْدَأٍ وَمَقْطَعٍ وَالصَّحِيحُ طَائِفَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ تَوْقِيفِيَّةٌ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ وَلِهَذَا تَرَى كَلَامًا طَوِيلًا ذَا نِسَبٍ كَثِيرَةٍ آيَةٌ وَاحِدَةٌ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ نَحْوِ {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: ٦٤] قِيلَ سُمِّيَ بِالْآيَةِ لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ لِلْفَضْلِ وَالصِّدْقِ وَقِيلَ لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ عَلَى صِدْقِ مَنْ أَتَى بِهَا وَعَلَى عَجْزِ الْمُتَحَدَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>