للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَرَامٌ) عَنْ الْإِحْيَاءِ هَذَا إنَّمَا يَحْرُمُ فِي حَقِّ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ نَفْسَهُ مَسْخَرَةً وَرُبَّمَا فَرِحَ بِأَنْ يُسْخَرَ مِنْهُ صِنَاعَةً وَلَعِبًا كَانَتْ السُّخْرِيَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْمِزَاحِ وَقَدْ سَبَقَ مَا يُذَمُّ مِنْهُ وَمَا يُمْدَحُ وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ اسْتِصْغَارٌ يَتَأَذَّى مِنْهُ الْمُسْتَهْزَأُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْقِيرِ وَالتَّهَاوُنِ انْتَهَى ثُمَّ قِيلَ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ يَحْتَاجُ إلَى التَّقْيِيدِ لَكِنَّ الْأَدِلَّةَ تُعِينُ الْمُصَنِّفَ تَدَبَّرْ انْتَهَى لَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّعْلِيلِ فِي مَعْرِضِ النَّصِّ وَأَنَّهُ لَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ الْخَاصَّةِ وَقَدْ يَكُونُ تَشْرِيعُ الْحُكْمِ بِالْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ جِنْسٌ مُطْلَقًا لَا بِحَسَبِ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ وَأَنَّ تَقْيِيدَ إطْلَاقِ النَّصِّ بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ لَيْسَ بِجَائِزٍ لَعَلَّ ذَلِكَ وَجْهُ التَّدَبُّرِ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات: ١١] أَيْ لَا يَسْخَرْ بَعْضٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ مِنْ بَعْضٍ إذْ قَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْمَسْخُورِ مِنْهُ خَيْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ السَّاخِرِ فَإِنَّ مَنَاطَ الْخَيْرِيَّةِ فِي الْفَرِيقَيْنِ لَيْسَ مَا يَظْهَرُ لِلنَّاسِ مِنْ الصُّوَرِ وَالْأَشْكَالِ وَالْأَوْضَاعِ وَالْأَطْوَارِ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا أَمْرُ السُّخْرِيَةِ غَالِبًا بَلْ إنَّمَا هُوَ الْأُمُورُ الْكَائِنَةُ فِي الْقُلُوبِ فَلَا يَجْتَرِئُ أَحَدٌ عَلَى اسْتِحْقَارِ أَحَدٍ فَلَعَلَّهُ أَجْمَعُ مِنْهُ لِمَا نِيطَ بِهِ الْخَيْرِيَّةُ عِنْدَهُ تَعَالَى فَيَظْلِمُ نَفْسَهُ بِتَحْقِيرِ مَنْ وَقَّرَهُ اللَّهُ وَالِاسْتِهَانَةِ بِمَنْ عَظَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ظَاهِرِ التَّعْلِيلِ أَنَّ مَدَارَ النَّهْيِ هُوَ الْخَيْرِيَّةُ فَسُخْرِيَةُ الْأَعْلَى لِلْأَدْنَى لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ إذَا الْخَيْرِيَّةُ أَمْرُ غَيْبٍ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَالِاحْتِمَالُ مُؤَثِّرٌ فِي إثْبَاتِ الْحُرُمَاتِ وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْمَظْنُونَاتِ الدَّاخِلَةَ تَحْتَ خَطَرٍ قَطْعِيٍّ يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ تَجَنُّبُهَا (دُنْيَا. عَنْ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -)

قِيلَ كَذَا فِي نُسْخَةٍ وَهُوَ السِّبْطُ وَفِي أُخْرَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهُوَ الْبَصْرِيُّ مُرْسَلًا (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالنَّاسِ يُفْتَحُ لِأَحَدِهِمْ بَابٌ مِنْ الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُمْ هَلُمَّ هَلُمَّ» أَيْ تَعَالَ تَعَالَ «فَيَجِيءُ بِكَرْبِهِ وَغَمِّهِ» لِظُهُورِ أَمَارَاتِ الْخِزْيِ لَهُ وَلِاقْتِضَاءِ الرُّجُوعِ عَنْ بَابِ الْجَنَّةِ « (فَإِذَا جَاءَ أُغْلِقَ الْبَابُ دُونَهُ فَمَا يَزَالُ كَذَلِكَ) » زِيَادَةً فِي هَوَانِهِ فَلَعَلَّهُ يُكَرِّرُ الِاسْتِهْزَاءَ فِي الدُّنْيَا كَمَا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ إنَّ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالنَّاسِ فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا «حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ لَيُفْتَحُ لَهُ الْبَابُ فَيُقَالُ لَهُ هَلُمَّ هَلُمَّ فَمَا يَأْتِيهِ» لِحُصُولِ الْيَأْسِ.

فَإِنْ قِيلَ هَذَا اسْتِهْزَاءٌ فَإِذَا كَانَ حَرَامًا فَكَيْفَ يُعَذَّبُ بِمَا هُوَ مُحَرَّمٌ قُلْنَا لَيْسَ هَذَا بِدَارِ التَّكْلِيفِ وَيَجُوزُ كَوْنُ حُرْمَتِهِ مُخْتَصَّةٌ بِالدُّنْيَا وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَقْبَلُ النَّسْخَ فَافْهَمْ.

ثُمَّ أَقُولُ هَذَا إنْ لَمْ يَتُبْ وَلَمْ يَلِقْ بِهِ مَشِيئَةُ الْغُفْرَانِ وَشَفَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِينَ ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُهَا وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّهَا فَفِيهِ أَيْضًا كَلَامٌ

[التَّاسِعُ اللَّعْنُ]

(التَّاسِعُ اللَّعْنُ) (وَهُوَ) لُغَةً الطَّرْدُ مُطْلَقًا وَشَرْعًا (الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى) بِالدُّعَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>