للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى فَكَيْفَ يَجُوزُ التَّقْيِيدُ بِهَذَا الشَّرْطِ قُلْنَا بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ ذَلِكَ التَّقْيِيدِ مِمَّا ذُكِرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَإِنْ كَانَتْ أَخْبَارَ آحَادٍ فِي أَنْفُسِهَا لَكِنَّهَا مَشْهُورَةٌ فِي الْمَعْنَى فَيَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ عَلَى كِتَابِهِ تَعَالَى كَمَا فِي آيَةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَوَاضِعَ الْقُرْآنِيَّةَ الْمُوجِبَةَ لِهَذَا التَّقْيِيدِ كَثِيرَةٌ جِدًّا قَالَ فِي الْمُبَارِقِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ تَابِعٌ لِلْمَأْمُورِ فَإِنْ وَاجِبًا فَالْأَمْرُ وَاجِبٌ كِفَايَةً وَإِنْ نَدْبًا فَنَدْبٌ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَلِوُجُوبِهِ شَرَائِطُ مِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَاقِعًا لِأَنَّ الْحُسْنَ هُوَ الذَّمُّ عَلَى الْوَاقِعِ لَا النَّهْيُ عَنْهُ وَمِنْهَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ كَمَا أَنَّ الشَّارِبَ تَهَيَّأَ لِشُرْبِ الْخَمْرِ بِإِعْدَادِ الْآلَةِ وَمِنْهَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ نَهَاهُ لَا يَلْحَقُهُ مَضَرَّةٌ وَلَا يَزِيدُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَيْضًا فِي مُنْكَرَاتِهِ مُتَعَنِّتًا بِهِ لِإِنْكَارِهِ وَمِنْهَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ نَهْيَهُ مُؤَثِّرٌ لَا عَبَثٌ انْتَهَى وَلَعَلَّك سَمِعْت تَفْصِيلَهُ فِيمَا مَرَّ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَبْنِيٌّ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْ الْعَوَارِضِ وَالْمَوَانِعِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَوَانِعِ (عِنْدَ الْقُدْرَةِ بِلَا ضَرَرٍ) إذْ فِي الْحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ» وَفِي تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنِّي مُهْلِكٌ مِنْ قَوْمِك أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ خِيَارِهِمْ وَسِتِّينَ أَلْفًا مِنْ شِرَارِهِمْ فَقَالَ يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارُ فَمَا بَالُ الْأَخْيَارِ؟ فَقَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَغْضَبُوا لِغَضَبِي وَآكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ» وَفِي الْحَدِيثِ «مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَإِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عَنْهُ» وَفِي الشِّرْعَةِ أَعْظَمُ الْوَاجِبِ عَلَى مَنْ يُخَالِطُ النَّاسَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَهَلَاكُ النَّاسِ إذَا تَرَكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى يَعُمَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِعِقَابِهِ وَلَا يَسْتَجِيبَ لَهُمْ دُعَاءً وَيَحْرِمَهُمْ اللَّهُ الْبَرَكَةَ وَالْخَيْرَ وَالنَّجَاحَ وَقَالَ بِلَالُ بْنُ سَعِيدٍ إنَّ الْمَعْصِيَةَ إذَا أُخْفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إلَّا صَاحِبَهَا وَإِذَا أُعْلِنَتْ ضَرَّتْ الْعَامَّةَ (وَظَنِّ التَّأْثِيرِ) وَإِلَّا فَضَيَاعُ وَقْتٍ وَإِيرَاثُ بُغْضٍ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْغَيْرَةِ وَفِي الشِّرْعَةِ كَانَ الثَّوْرِيُّ إذَا رَأَى الْمُنْكَرَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَهُ بَالَ دَمًا فَجَدِيرٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَمِيَّةِ وَالْغَيْرَةِ وَالصَّلَابَةِ مِثْلَ ذَلِكَ

[تَرْكِ النُّصْحِ]

(وَتَرْكِ النُّصْحِ) ظَاهِرُ السَّوْقِ وُجُوبُ النُّصْحِ عِنْدَ ظَنِّ فَائِدَتِهِ فِي الْمَنْصُوحِ لَكِنْ قَالَ الْمُنَاوِيُّ ظَاهِرُ خَبَرِ «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» وُجُوبُ النُّصْحِ مُطْلَقًا وَلَمَّا نَظَرَ السَّلَفُ إلَى ذَلِكَ جَعَلُوا النَّصِيحَةَ أَعْظَمَ وَصَايَاهُمْ (وَ) تَرْكِ (الْإِصْلَاحِ عِنْدَ ظَنِّ الْقَبُولِ) وَاخْتِيَارُ الظَّنِّ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ إلَى مَرْتَبَةِ الْعِلْمِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ شَامِلٌ لِصُورَةِ الشَّكِّ كَمَا قِيلَ إنَّ الشَّكَّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ دَاخِلٌ فِي الظَّنِّ وَلِذَا يُعَبِّرُونَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ عِنْدَ إرَادَتِهِمْ الظَّنَّ الْكَلَامِيَّ

[تَرْكِ التَّعْلِيمِ]

(وَتَرْكِ التَّعْلِيمِ) لَا سِيَّمَا عِلْمُ الْحَلَالِ (وَالْفَتْوَى عِنْدَ التَّعَيُّنِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الظَّرْفَ قَيْدٌ لِلتَّعْلِيمِ أَيْضًا وَمَا قَالُوا إنَّ الْقَيْدَ بَعْدَ الْمُتَعَاطِفَاتِ لِلْأَخِيرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلِلْجَمْعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ جَرَيَانِهِ هُنَا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ لِلْجَمِيعِ ثُمَّ مَا هُوَ الْوَاجِبُ مِنْ الْفَتْوَى لَيْسَ مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي أَلْسُنِ الْعَامَّةِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ بَلْ الْجَوَابُ بِالْقَوْلِ فَقَطْ وَلِذَا جَوَّزُوا الْأُجْرَةَ فِي الْخَطِّ دُونَ الْقَوْلِ إذْ لَا تَجُوزُ الْأُجْرَةُ فِي الْوَاجِبِ

[تَرْكِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ الْقَاضِي بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى]

(وَتَرْكِ الْحُكْمِ) الشَّرْعِيِّ (مِنْ الْقَاضِي بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى) بِالْوَحْيِ مَتْلُوًّا أَوْ غَيْرَ مَتْلُوٍّ فَيَشْمَلُ السُّنَّةَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ تَقْرِيرًا أَوْ سُكُوتًا

[تَرْكِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ]

(وَتَرْكِ السَّلَامِ) فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ (وَرَدِّهِ) فَإِنَّهُ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمِيٌّ كَمَا سَبَقَ (إذَا كَانَ مَسْنُونًا) أَيْ مَشْرُوعًا وَإِلَّا فَلَا لَعَلَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا مَرَّ وَذَكَرَ فِي الْفَقِيهَةِ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَى الْآكِلِ فِي وَجْهٍ وَلَا عَلَى أُسْتَاذِهِ وَلَا الْخَصْمَانِ عَلَى الْقَاضِي وَلَا عَلَى مَنْ يُدَرِّسُ وَلَا مَنْ يُعَلِّمُ الْقُرْآنَ وَلَوْ سَلَّمَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَجِبُ الرَّدُّ وَلَوْ رَدَّ جَازَ وَكَذَا لَا يُسَلِّمُ عَلَى الْقَارِئِ وَالذَّاكِرِ فَلَوْ سَلَّمَ قِيلَ لَا يَجِبُ الرَّدُّ وَالْأَصَحُّ يَجِبُ وَلَا حَالَ الْخُطْبَةِ وَلَا يَجُوزُ الرَّدُّ إنْ سَلَّمَ وَلَا عَلَى مَنْ يَبُولُ أَوْ يَتَغَوَّطُ فَإِنْ سَلَّمَ يَرُدُّ بِقَلْبِهِ فَقَطْ وَلَا يَرُدُّ مُطْلَقًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيَرُدُّ بِلِسَانِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَكَذَا عِنْدَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا عَلَى الْمُصَلِّي وَلَا عَلَى الشَّيْخِ الْمُمَازِحِ وَالْكَذَّابِ وَاللَّاغِي وَلَا عَلَى السَّبَّابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>