الْمُبَاحَاتِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ (قَالَ الْإِمَامُ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ سَكَنَ نَشَاطُهُ) فِي الْعِبَادَةِ (وَضَعُفَتْ رَغْبَتُهُ) فِيهَا (وَعَلِمَ أَنَّ التَّرَفُّهَ) التَّوَسُّعَ وَالرَّاحَةَ وَالتَّنَعُّمَ كَمَا فُهِمَ مِنْ الْقَامُوسِ (بِالنَّوْمِ أَوْ الْحَدِيثِ) كَمَنَاقِبِ الْمَشَايِخِ وَالْعُلَمَاءِ (أَوْ الْمِزَاحِ) الْمُبَاحَيْنِ (فِي سَاعَةٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ التَّنْكِيرَ لِلتَّقْلِيلِ أَوْ التَّحْقِيرِ (يَرُدُّ نَشَاطَهُ) وَرَغْبَتَهُ إلَى الطَّاعَةِ (فَذَلِكَ) التَّرَفُّهُ (أَفْضَلُ لَهُ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ مَعَ الْمَلَالِ) ؛ لِأَنَّ مَلَاكَ الْأَمْرِ فِي الْعِبَادَةِ سِيَّمَا الصَّلَاةَ رَأْسًا وَأَسَاسًا حُضُورُ الْقَلْبِ وَالتَّفَهُّمُ وَالتَّعْظِيمُ وَالْهَيْبَةُ وَالرَّجَاءُ وَالْحَيَاءُ وَحُضُورُ الْقَلْبِ تَفْرِيغُ الْقَلْبِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ وَالتَّفَهُّمُ جَمْعُ اللَّفْظِ مَعَ الْمَعْنَى فَرُبَّمَا يَكُونُ حَاضِرًا مَعَ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى، وَهُوَ مَقَامٌ يَتَفَاوَتُ فِيهِ النَّاسُ فَكَمْ مِنْ مَعَانٍ تَسْنَحُ لِلْمُصَلِّي فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَكُنْ خَطَرَتْ بِقَلْبِهِ أَبَدًا وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالتَّعْظِيمُ أَنْ يُشَاهِدَ مِنْ لَوْحِ الْقَلْبِ عَظَمَتَهُ تَعَالَى وَكِبْرِيَاءَهُ وَأَنَّ الْعَبْدَ مُسَخَّرٌ مَرْبُوبٌ وَمِنْهُ يَحْصُلُ الْخُشُوعُ وَالْهَيْبَةُ أَنْ يَثُورَ مِنْ زَاوِيَةِ مَعْرِفَةِ الْجَلَالِ خَوْفٌ يَنْتَشِرُ مِنْهُ عَلَى الْأَعْضَاءِ مَا تَكَادُ تَكِلُّ عَنْ حَمْلِهِ لَوْلَا الرَّجَاءُ فَإِنَّ مَنْ لَا يَخَافُ لَا يُسَمَّى هَائِبًا وَالْخَوْفُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْخَسِيسَةِ لَا يُسَمَّى هَيْبَةً وَالرَّجَاءُ بِأَنْ يَسْرَحَ النَّظَرُ فِي مَعْرِفَةِ لُطْفِ اللَّهِ وَكَرْمِهِ وَأَنْوَاعِ إنْعَامِهِ وَاسْتِغْنَائِهِ وَالْحَيَاءُ بِأَنْ يُجِيلَ النَّظَرَ فِي قُصُورِهِ عَنْ أَدَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ مَعْرِفَةِ حَقَارَةِ نَفْسِهِ وَخُبْثِ دَخْلِهَا وَقِلَّةِ خُلُوصِهَا وَإِخْلَاصِهَا وَمَيْلِهَا إلَى الْحَظِّ الْعَاجِلِ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ مَعَ الْمَلَالِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ (فَفِي الْحَقِيقَةِ هَذَا) أَيْ اتِّبَاعُ الْهَوَى فِي الْمُبَاحَاتِ لِأَجْلِ النَّشَاطِ (اتِّبَاعٌ لِلشَّرْعِ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ آنِفًا وَأَيْضًا عَنْ الْبُخَارِيِّ قِصَّةُ حَبْلِ زَيْنَبَ حَدِيثُ حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ بِنَشَاطِهِ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ كَمَا مَرَّ أَيْضًا وَحِينَئِذٍ (لَا) يَكُونُ اتِّبَاعًا (لِلْهَوَى الْمَحْضِ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ إذَا قَصَدَ بِالْمُبَاحَاتِ التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ التَّوَصُّلَ إلَيْهَا كَانَتْ عِبَادَةً كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَاكْتِسَابِ الْمَالِ وَالْوَطْءِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ» وَعَلَى هَذَا الْبَابِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَوْمُ الْعَالِمِ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ الْجَاهِلِ» .
(فُرُوعٌ)
نُقِلَ عَنْ الْجَامِعِ فِي الْفَتْوَى وَالْمُجْتَبَى وَالْخَانِيَّةِ لَوْ غَلَبَهُ النَّوْمُ تُكْرَهُ لَهُ التَّرَاوِيحُ بَلْ يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ؛ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ مَعَ النَّوْمِ تَهَاوُنًا وَغَفْلَةً وَتَرْكَ تَدَبُّرٍ وَيُكْرَهُ لِلْمُقْتَدِي أَنْ يَقْعُدَ فِي التَّرَاوِيحِ فَيَقُومَ عِنْدَ الرُّكُوعِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّكَاسُلِ وَتَشْبِيهِ الْمُنَافِقِ وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ، وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ» وَعَنْ الضَّحَّاكِ فِي قَوْله تَعَالَى - {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣]- أَرَادَ بِهِ سُكْرَ النَّوْمِ وَفِي تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَى مَرِيضٍ أَعْدَادُ الرَّكَعَاتِ أَوْ السَّجَدَاتِ لِنُعَاسٍ يَلْحَقُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ (وَ) بَيَانُ (الْعُجْبِ) الَّذِي هُوَ سَبَبُ اعْتِقَادِ الْبِدْعَةِ (سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) أَخَّرَهُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى زِيَادَةِ تَفْصِيلٍ (وَأَمَّا التَّقْلِيدُ) الْمَذْكُورُ فِيمَا سَبَقَ (وَهُوَ) الْخُلُقُ.
[الثَّامِنُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ بِالْغَيْرِ]
(الثَّامِنُ) مِنْ السِّتِّينَ الْمَذْمُومَةِ (مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ، وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ بِالْغَيْرِ) اعْتِقَادًا أَوْ قَوْلًا أَوْ عَمَلًا (بِمُجَرَّدِ حُسْنِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ) صَالِحَةٍ لِلِاقْتِدَاءِ فَخَرَجَ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ (وَتَحْقِيقٍ) بِالدَّلِيلِ وَقِيلَ أَوْ كَشْفٍ قَلْبِيٍّ فِي ذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ فِي حُكْمِ ظَاهِرِ الشَّرْعِ (وَذَا) أَيْ التَّقْلِيدُ (لَا يَجُوزُ فِي الِاعْتِقَادِيَّةِ) أَيْ فِي أُصُولِ الْعَقَائِدِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِإِمْكَانِ الِاهْتِدَاءِ بِمُجَرَّدِ نَظَرِ الْعَقْلِ فَكُلُّ مَنْ لَهُ عَقْلٌ يُمْكِنُ لَهُ الِاسْتِدْلَال سِيَّمَا مِنْ الْأَثَرِ إلَى الْمُؤَثِّرِ فَلَا ضَرُورَةَ لَهُ إلَى التَّقْلِيدِ (بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَظَرٍ) صَحِيحٍ وَتَأَمُّلٍ مِنْ تَرْتِيبِ الْأُمُورِ الْمَعْلُومَةِ لِلتَّأَدِّي إلَى الْمَجْهُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute