وُسْعِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَعْرِضُ عَنْكُمْ إعْرَاضَ الْمَلُولِ وَلَا يَنْقُصُ ثَوَابَ أَعْمَالِكُمْ مَا بَقِيَ لَكُمْ نَشَاطٌ، فَإِذَا سَئِمْتُمْ فَاقْعُدُوا، فَإِنَّكُمْ إذَا مَلَلْتُمْ مِنْ الْعِبَادَةِ وَأَتَيْتُمْ بِهَا عَلَى كَلَالَةٍ كَانَ مُعَامَلَةُ اللَّهِ مَعَكُمْ مُعَامَلَةَ الْمَلُولِ مِنْكُمْ ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ لَكِنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ فِي الْجَامِعِ عَلَى تَخْرِيجِ الطَّبَرَانِيِّ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ «خُذُوا مِنْ الْعِبَادَةِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْأَمُ حَتَّى تَسْأَمُوا» قَالَ الشَّارِحُ عَنْ الْهَيْثَمِيِّ فِيهِ بِشْرُ بْنُ نُمَيْرٍ ضَعِيفٌ (وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ) مَوْقُوفٌ فَإِمَّا حَدِيثٌ مَحْذُوفُ الْإِسْنَادِ أَوْ أَثَرٌ مِنْ آثَارِهِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ «رَوِّحُوا» مِنْ التَّرْوِيحِ بِمَعْنَى النَّشَاطِ «الْقُلُوبَ» بِإِزَاحَةِ الْكَدِّ كُلَّ آنٍ عَنْ مُكَابَدَةِ الْعِبَادَاتِ بِبَعْضِ الْمُبَاحَاتِ فَسَاعَةٌ لِلذِّكْرِ وَسَاعَةٌ لِلِاسْتِرَاحَةِ «فَإِنَّهَا» أَيْ الْقُلُوبَ «إذَا أُكْرِهَتْ» جُبِرَتْ عَلَى الْأَعْمَالِ «عَيَتْ» تَعِبَتْ وَأَعْرَضَتْ لَكِنْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «رَوِّحُوا الْقُلُوبَ سَاعَةً فَسَاعَةً» فَقَالَ شَارِحُهُ أَيْ أَرِيحُوهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بِمُبَاحٍ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إنِّي لَأَجُمُّ فُؤَادِي بِبَعْضِ الْبَاطِلِ أَيْ اللَّهْوِ الْجَائِزِ لِأَنْشَطَ لِلْحَقِّ «وَذُكِرَ عِنْدَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْآنُ وَالشِّعْرُ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ أَقُرْآنٌ وَشِعْرٌ فَقَالَ نَعَمْ سَاعَةٌ هَذَا وَسَاعَةٌ ذَلِكَ» وَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَأَجِمُّوا هَذِهِ الْقُلُوبَ فَإِنَّهَا تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ أَيْ تَكِلُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا «ذَكَرَ الْمُصْطَفَى ذَلِكَ لِأُولَئِكَ الْأَكَابِرِ الَّذِينَ اسْتَوْلَتْ هُمُومُ الْآخِرَةِ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَخَشِيَ عَلَيْهَا أَنْ تَحْتَرِقَ» وَقَالَ الْحَكِيمُ: فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ الذِّكْرُ الْمَنْهَلُ لِلنُّفُوسِ إنَّمَا يَدُومُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثُمَّ يَنْقَطِعُ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا اُنْتُفِعَ بِالْعَيْشِ وَالنَّاسُ فِي الذِّكْرِ طَبَقَاتٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَدُومُ لَهُ ذِكْرُهُ فِي وَقْتِ الذِّكْرِ ثُمَّ تَعْلُوهُ غَفْلَةٌ حَتَّى يَقَعَ فِي التَّخْلِيطِ، وَهُوَ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَدُومُ لَهُ ذِكْرُهُ فِي وَقْتِ الذِّكْرِ ثُمَّ تَعْلُوهُ مَعْرِفَتُهُ بِسَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَحُسْنِ مُعَامَلَتِهِ عِبَادَهُ فَتَطِيبُ نَفْسُهُ بِذَلِكَ فَيَصِلُ إلَى مُعَايَنَتِهِ، وَهُوَ الْمُقْتَصِدُ، وَأَمَّا أَهْلُ الْيَقِينِ وَهُمْ السَّابِقُونَ، فَقَدْ جَاوَزُوا هَذِهِ الْخُطَّةَ، وَلَهُمْ دَرَجَاتٌ قَالَ وَقَوْلُهُ سَاعَةٌ وَسَاعَةٌ أَيْ سَاعَةٌ لِلذِّكْرِ وَسَاعَةٌ لِلنَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ إذَا حُجِبَ عَنْ احْتِمَالِ مَا يَحِلُّ بِهِ يَحْتَاجُ إلَى مِزَاحٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُصْطَفَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا سَارَ إلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَغَشِيَهَا مَا غَشَّى وَأَشْرَقَ النُّورُ حَالَ دُونَهُ فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ وَتَحَوَّلَتْ السِّدْرَةُ زَبَرْجَدًا وَيَاقُوتًا فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ بَصَرُهُ لِلنُّورِ عُورِضَ بِذَلِكَ مِزَاحًا لِيَسْتَقِرَّ كَأَنَّهُ شَغَلَ قَلْبَهُ بِهَذَا الْمِزَاحِ عَمَّا رَأَى لِئَلَّا يَنْفِرَ، وَلَا يَجِدَ قَرَارًا انْتَهَى (وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأَسْتَجِمُّ نَفْسِي) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ بِمَعْنَى الِاسْتِرَاحَةِ (بِاللَّهْوِ) أَيْ بِمَا تَتَلَهَّى بِهِ النَّفْسُ مِمَّا يُسْتَلَذُّ بِهِ الظَّاهِرُ الْمُبَاحُ كَالْمِزَاحِ (لِيَكُونَ عَوْنًا لِي عَلَى الْحَقِّ) بِالنَّشَاطِ وَالْإِقْدَامِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فَيَنْبَغِي تَرْوِيحُ الذِّهْنِ بِنَحْوِ شِعْرٍ أَوْ حِكَايَاتٍ عِنْدَ جُمُودِ الذِّهْنِ وَوُقُوفِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ إنْسَانٌ عَلَى مُكَابَدَةِ ذِهْنِهِ عَلَى الْفَهْمِ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ مَعَ الْإِكْرَاهِ أَشَدُّ نُفُورًا وَأَبْعَدُ قَبُولًا وَفِي الْأَثَرِ أَنَّ الْقَلْبَ إذَا أُكْرِهَ عَمِيَ فَيُدْفَعُ بِتَرْوِيحِهِ
وَلَيْسَ بِمُغَنٍّ فِي الْمَوَدَّةِ شَافِعٌ ... إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الضُّلُوعِ شَفِيعُ
فَإِنَّ لِهَذِهِ الْقُلُوبِ تَنَافُرًا كَتَنَافُرِ الْوَحْشِ فَتَأَلَّفُوهَا بِالِاقْتِصَادِ فِي التَّعْلِيمِ وَالتَّوَسُّطِ فِي التَّقْوِيمِ لِتَحْسُنَ طَاعَتُهَا وَيَدُومَ نَشَاطُهَا وَفِي صُحُفِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْعَبْدِ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ سَاعَةٌ يُنَاجِي رَبَّهُ وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ نَفْسَهُ وَسَاعَةٌ لِلَّذَّةِ نَفْسِهِ فِيمَا يَحِلُّ (فَحِينَئِذٍ) حِينَ كَوْنِ تَرْوِيحِ النَّفْسِ مَطْلُوبًا (لَا بُدَّ أَحْيَانَا أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ الْمُشْتَهَيَاتِ الْمُبَاحَاتِ اسْتِرَاحَةً مِنْ التَّعَبِ) الْحَاصِلِ مِنْ حَمْلِ مَشَاقِّ التَّكْلِيفِ (وَتَحَرُّزًا عَنْ السَّآمَةِ) الْمَلَلِ وَالْكَسَلِ (وَتَحْرِيكًا لِلنَّشَاطِ عَلَى الْعِبَادِ فَلِذَا) أَيْ لِلُزُومِ تَنَاوُلِ الْمُشْتَهَيَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute