السُّكُوتِ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ قِيلَ لَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْقُصُورِ حَيْثُ مَنَعَ التَّسْبِيحَ وَالتَّصْلِيَةَ وَالتَّرْضِيَةَ تَقْلِيدًا لِبَعْضِ الْكُتُبِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَحَفِظَ شَيْئًا وَنَسِيَ أَشْيَاءَ ثُمَّ قِيلَ فَالْحَقُّ مَا ذَكَرْنَا انْتَهَى وَأُجِيبَ بِأَنَّ اللَّامَ فِي الْمُؤْمِنُونَ إمَّا لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ بِقَرِينَةِ بَعْضٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالْبَزَّازِ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنَّهُ هَكَذَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاخْتَارَ مُحَمَّدًا فَبَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاخْتَارَ لَهُ أَصْحَابًا فَجَعَلَهُمْ أَنْصَارَ دِينِهِ وَوُزَرَاءَ نَبِيِّهِ فَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ إلَخْ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الصَّحَابِيَّ فَقَطْ أَوْ الْفَرْدَ الْكَامِلَ وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ وَالْأَصْلُ انْصِرَافُ الْمُطْلَقِ إلَى الْكَمَالِ وَلَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْخَفِيَّةِ
وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي» كَيْفَ وَلَوْ حُمِلَ عَلَى مُطْلَقِ الْجِنْسِ لَخَالَفَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً» وَمِثْلُهُ حَدِيثُ «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْأُمَّةِ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ وَهُمْ الْمُجْتَهِدُونَ الَّذِينَ لَيْسَ فِيهِمْ فِسْقٌ وَبِدْعَةٌ ثُمَّ قِيلَ فَالْوَاجِبُ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] نَازِلٌ فِي الْخُطْبَةِ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ شَفْعِ الظُّهْرِ فَمَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَمَا بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ كَمَا بَيْنَ الشَّفْعَيْنِ حُكْمًا كَمَا فِي حَاشِيَة أَخِي حَلَبِيٍّ فَيَحْرُمُ فِي الْخُطْبَةِ مَا يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَوْلُهُ وَأَفْتَوْا بِجَوَازِهَا وَقَالَ صَاحِبَاهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الصَّلَاةِ أَقُولُ الْإِفْتَاءُ بِهَا مِنْ الْفَاضِلِ أَبِي السُّعُودِ وَقَوْلُ الْإِمَامَيْنِ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَقْوَى اعْتِرَاضَاتِهِ عَلَى الْمَقْصُودِ لِأَنَّ نَحْوَ التَّصْلِيَةِ سُرْعَةٌ فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ لَا يُنَافِي الِاسْتِمَاعَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ اقْتِصَارَهُمَا عَلَى طَرَفَيْ الْخُطْبَةِ يُنَادِي عَلَى عَدَمِ تَجْوِيزِهِمَا حَالَةَ السَّكْتَةِ وَتَجْوِيزُ أَبِي السُّعُودِ إنَّمَا وَقَعَ بِعِنْوَانِ الرَّجَاءِ فَمَنَعَ فِي صُورَةِ التَّجْوِيزِ فَإِنَّ الرَّجَاءَ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا لَا حُكْمَ فِيهِ وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُ مَنَّاعٌ لِلْخَيْرِ لَيْسَ بِمَنْعِ خَيْرٍ بَلْ نَهْيُ مُنْكَرٍ
وَقَوْلُهُ إنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا هُوَ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَمْنُوعٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ أَيْنَمَا يَجِدُهَا أَخَذَهَا» فَلَا يُوجِبُ الْأَعْلَوِيَّةَ وَلَا يُنَافِي الْأَدْنَوِيَّةَ وَلِهَذَا اسْتَمَعَ أَبُو حَنِيفَةَ نَصَائِحَ الْحَجَّامِ وَقَبِلَهَا كَمَا فَصَّلَ فِي الْخَانِيَّةِ وَتَعَلُّمُ مُحَمَّدٍ مَسْأَلَةَ سَهْمِ الدُّورِ سَاقِطٌ عَنْ جَارِيَةِ أَبِي يُوسُفَ مَعْرُوفٌ وَاقِعٌ فِي تَعْلِيمِ الْمُتَعَلِّمِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُجِيبِ إيجَازًا وَأَقُولُ لَا حَاجَةَ فِي الْجَوَابِ إلَى هَذَا التَّطْوِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو بَعْضُهُ عَنْ كَلَامٍ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالنُّصُوصِ وَالْآثَارِ إنَّمَا هُوَ مَنْصِبُ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ عَرَفْت أَقْوَالَهُمْ فَقَوْلُهُ كُلُّهُ مِنْ قَبِيلِ الرَّأْيِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَقَدْ قَالُوا بِتَرْجِيحِ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ عَلَى النُّصُوصِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ بِقَوْلِ الصَّالِحِينَ فَلَيْسَ فِيهِ تَقْرِيبٌ إذْ الْمَطْلُوبُ شَامِلٌ لِمَا فِي حَالِ الْخُطْبَةِ بَلْ الْعُمْدَةُ بِمَا يَكُونُ فِيهَا وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ أَيْضًا وَأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الِاتِّفَاقِ وَقَدْ قُرِّرَ أَنَّ الْحَظْرَ رَاجِحٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَتَخْصِيصُ السُّكُوتِ بِزَمَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَلَوْ سَلِمَ فَمِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ إذْ الْأَصْلُ أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ حُكْمٍ فِي زَمَانِهِ مُسْتَمِرَّةٌ فِيمَا بَعْدَهُ وَتَخْصِيصُهُ بِهِ بِالرَّأْيِ لَيْسَ بِمَسْمُوعٍ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْأَصْلِ الْمُسَلَّمِ عَلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَلَا يَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ بِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ إذْ قَدْ يَكُونُ مَشْرُوعِيَّةُ جِنْسِ الْحُكْمِ بِسَبَبِ بَعْضِ أَفْرَادِهِ كَالْمَشَقَّةِ لِلسَّفَرِ
[الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ كَلَامُ الدُّنْيَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ]
(الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ كَلَامُ الدُّنْيَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) الصَّادِقِ وَقِيلَ (إلَى الصَّلَاةِ) لِلصُّبْحِ (وَقِيلَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute