للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ تَنَاجِي الْمُكَالَمَةِ بِالسِّرِّ اثْنَيْنِ عِنْدَ ثَالِثٍ]

(الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ تَنَاجِي) الْمُكَالَمَةِ بِالسِّرِّ (اثْنَيْنِ عِنْدَ ثَالِثٍ) (وَلَوْ) كَانَ الثَّالِثُ (سَاكِتًا) لِأَنَّهُمَا إذَا تَنَاجَيَا يَقَعُ فِي قَلْبِ الْآخَرِ خَوْفٌ فَإِنَّ سُكُوتَهُ لَا يُبِيحُ تَنَاجِيَهُمَا (فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ (خ م عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الْآخَرِ» اخْتِفَاءً مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَحْرُمُ قِيلَ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ أَمْنِ ذَلِكَ الثَّالِثِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ عُمُومُ النَّهْيِ بِالسَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجْهُ النَّهْيِ وُقُوعُ الرُّعْبِ فِي قَلْبِ الثَّالِثِ وَمُخَالَفَةُ الصُّحْبَةِ وَالْأُلْفَةِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَالْأُنْسِ.

وَتَخْصِيصُ النَّهْيِ بِمَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَتَنَاجَوْنَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَهْمٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِالْعَدَدِ مَعْنًى وَتَقْيِيدُهُ بِالسَّفَرِ وَالْمَوَاطِنِ الَّتِي لَا يَأْمَنُ الْمَرْءُ فِيهَا عَلَى نَفْسِهِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَمُخَالِفٌ لِلسِّيَاقِ بِلَا مُوجِبٍ وَلَا حُجَّةَ لِزَاعِمِهِ فِي مُشَاوَرَةِ الْمُصْطَفَى فَاطِمَةَ عِنْدَ أَزْوَاجِهِ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ إيقَاعُ الرُّعْبِ وَالْمُصْطَفَى لَا يَتَّهِمُهُ أَحَدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَكِنْ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ وَقَالَ فِي الرِّيَاضِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا لَوْ تَحَدَّثَا بِلِسَانٍ لَا يَفْهَمُهُ كَذَا فِي الْفَيْضِ (حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ) أَيْ تَنْضَمُّوا إلَيْهِمْ (مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ التَّنَاجِيَ مَعَ انْفِرَادِ وَاحِدٍ (يُحْزِنُهُ) أَيْ يُوقِعُ فِي نَفْسِهِ الْحَزَنَ لِأَنَّهُ يَظُنُّ الْحَدِيثَ عَنْهُ بِمَا يُؤْذِيهِ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ أَمِنَ ذَلِكَ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ كُلُّ الْأَعْدَادِ فَلَا يَتَنَاجَى أَرْبَعٌ دُونَ وَاحِدٍ وَلَا عَشَرَةٌ وَلَا أَلْفٌ لِوُجُودِ الْمَعْنَى فِي حَقِّهِ بَلْ وُجُودُهُ فِي الْكَثِيرِ أَقْوَى وَإِنَّمَا خَصَّ الثَّالِثَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ.

وَمَحَلُّ النَّهْيِ فِي غَيْرِ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ يَتَرَتَّبُ عَلَى إظْهَارِ مَفْسَدَةٍ أَقُولُ وَكَذَا دُخُولُ الثَّالِثِ بَيْنَ مُتَنَاجِيَيْنِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِحَدِيثِ «إذَا كَانَ اثْنَانِ يَتَنَاجَيَانِ فَلَا تَدْخُلْ بَيْنَهُمَا» (وَلَا تُبَاشِرْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ) هَذَا خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، الْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ هَاهُنَا نَظَرُ الْمَرْأَةِ بَشَرَةَ امْرَأَةٍ أُخْرَى بِالدِّقَّةِ (فَتَصِفُهَا لِزَوْجِهَا) بِحَيْثُ (كَأَنَّهُ) أَيْ الزَّوْجَ (يَنْظُرُ إلَيْهَا) فَيَتَعَلَّقُ قَلْبُهُ بِهَا فَيَقَعُ فِي فِتْنَةٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَمَسُّ بَشَرَةُ امْرَأَةٍ بِبَشَرَةِ امْرَأَةٍ أُخْرَى (ط عَنْ) (ابْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ (قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ» .

وَزَادَ د قَالَ أَبُو صَالِحٍ) الرَّاوِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - (فَقُلْت لِابْنِ عُمَرَ فَأَرْبَعَةٌ) أَيْ فَمَا حَالُ تَنَاجِي اثْنَيْنِ مِنْ أَرْبَعَةٍ (قَالَ لَا يَضُرُّك) لِفَقْدِ الْعِلَّةِ حِينَئِذٍ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ يُقَابِلُ الِاثْنَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>