للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مِنْ الْخَمْسَةِ فِي أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

(الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ) مِنْ الْخَمْسَةِ (فِي أَسْبَابِ الْكِبْرِ) فِي النَّفْسِ أَوْ الْحَاصِلِ فِي نَفْسِهِ (وَالتَّكَبُّرِ) إظْهَارِهِ لِلْغَيْرِ أَوْ الْحَاصِلِ بِالتَّكَلُّفِ (أَعْنِي مَا بِهِ الْكِبْرُ وَالتَّكَبُّرُ، وَالْعِلَاجِ التَّفْصِيلِيِّ، وَهِيَ) أَيْ الْأَسْبَابُ (سَبْعَةٌ) الْأَوَّلُ عِلْمٌ الثَّانِي عِبَادَةٌ الثَّالِثُ نَسَبٌ الرَّابِعُ جَمَالٌ الْخَامِسُ قُوَّةٌ السَّادِسُ مَالٌ السَّابِعُ أَتْبَاعٌ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ هَذِهِ أَسْبَابَ الْكِبْرِ (بِاعْتِبَارِ الْجَهْلِ الْمُقَارَنِ بِهَا) بِالْبِنَاءِ لِغَيْرِ الْفَاعِلِ نَعْتٌ لِلْجَهْلِ (لِأَنَّهَا) الْأَسْبَابَ (فِي أَنْفُسِهَا أَسْبَابٌ تَامَّةٌ وَعِلَلٌ مُوجِبَةٌ) بَلْ جُزْءُ سَبَبٍ وَعِلَّةٌ نَاقِصَةٌ فَمُحْتَاجَةٌ إلَى ضَمِّ شَيْءٍ آخَرَ إلَيْهَا فَبِمُجَرَّدِهَا لَا تَكُونُ كِبْرًا وَلَا تَكَبُّرًا (فَسَبَبِيَّتُهَا) أَيْ الْأَسْبَابُ (فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعَةٌ إلَى الْجَهْلِ) فَيَنْشَأُ مِنْهُ الْأَسْبَابُ (فَعِلَاجُهُ) أَيْ الْجَهْلِ (إزَالَتُهُ) بِالتَّعَلُّمِ (وَسَنُبَيِّنُهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَسَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ (إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوَّلُ الْعِلْمُ) الرَّسْمِيُّ (وَهُوَ أَعْظَمُ الْأَسْبَابِ) الْمُوصِلَةِ إلَى الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ، وَأَمَّا الْعِلْمُ النَّافِعُ فَلَا بَلْ مِنْ الْمُعَالَجَاتِ وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الضَّعَةِ وَالتَّوَاضُعِ فَالْفَضْلُ وَالشَّرَفُ الْوَارِدُ فِي الشَّرْعِ إنَّمَا هُوَ لَهُ لَا لِلْأَوَّلِ بَلْ هُوَ وِزْرٌ وَوَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ وَكَفَاهُ كَوْنُ ثَمَرَتِهِ وَنَتِيجَتِهِ نَحْوُ كِبْرٍ وَتَكَبُّرٍ (وَأَشَدُّهَا وَأَصْعَبُهَا عِلَاجًا؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْعِلْمِ) فِي نَفْسِهِ (عَظِيمٌ) مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مُتَعَلَّقِهِ (عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ النَّاسِ) أَيْضًا فَيَرَى نَفْسَهُ أَعْلَى وَأَشْرَفَ مِنْ الْغَيْرِ فَيَخَافُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَرْجُو لِغَيْرِهِ وَيَنْظُرُ إلَى الْغَيْرِ نَظَرَ الْحَقَارَةِ وَالْهَوَانِ فَهَذَا أَلْيَقُ بِأَنْ يُسَمَّى جَهْلًا، بَلْ الْعِلْمُ الْحَقِيقِيُّ مَا يَعْرِفُ الْإِنْسَانُ بِهِ نَفْسَهُ وَرَبَّهُ فَيَزِيدُ خَوْفُهُ وَتَوَاضُعُهُ وَخُشُوعُهُ وَيُفْضِي إلَى أَنْ يَرَى كُلَّ النَّاسِ أَوْلَى مِنْهُ لِعِظَمِ حُجَّةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ لِلْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ وَمُقْتَضَاهُ، فَإِذَا كَانَ قَدْرُ الْعِلْمِ عَظِيمًا مُطْلَقًا فَكَانَ الْعِلَاجُ صَعْبًا فَإِنَّ زَوَالَ الْمُسَبَّبِ بِزَوَالِ السَّبَبِ فَإِذَا كَانَ السَّبَبُ شَرِيفًا مُطْلَقًا كَانَ شَرَفُهُ ذَاتِيًّا فَلَا يَزُولُ فَيَصْعُبُ زَوَالُ الْمُسَبَّبِ فَافْهَمْ.

(وَقَدْ سَمِعْت) فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْبَابِ الثَّانِي (مَا وَرَدَ فِي فَضْلِهِ وَالْحَثِّ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَكَوْنِهِ فَرْضًا) عَيْنًا وَكِفَايَةً، لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ مَا يَكُونُ سَبَبَ الْكِبْرِ هُوَ الرَّسْمِيُّ وَمَا ذُكِرَ لَيْسَ بِرَسْمِيٍّ بَلْ عِلْمٌ نَافِعٌ فَلَا تَقْرِيبَ وَأَنَّ مَا لَهُ فَضْلٌ وَوُجُوبٌ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي جُعِلَ آلَةَ الْعَمَلِ عَلَى الْخُلُوصِ وَمَا يَكُونُ سَبَبًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَبِهِ يُعْلَمُ حَالُ قَوْلِهِ (فَلَا مَجَالَ لِقَلْعِهِ مِنْ أَصْلِهِ وَتَرْكِ تَعَلُّمِهِ) فَتَأَمَّلْ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ فَضْلُهُ كَذَا وَحُكْمُهُ كَذَا يَمْتَنِعُ مُتَارَكَتُهُ هَكَذَا فَإِنْ قِيلَ إنَّ إتْيَانَ أَصْلِ هَذَا الْعِلْمِ وَاجِبٌ وَمَا دَعَاهُ مِنْ نَحْوِ الْكِبْرِ الْمُحَرَّمِ عَرْضِيٌّ وَمِنْ قَاعِدَةِ أَهْلِ الشَّرْعِ أَنَّ الْأَمْرَ الذَّاتِيَّ لَا يَزُولُ بِالْعَوَارِضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ ذَلِكَ الْعَارِضُ فِي نَفْسِهِ بِلَا حَاجَةٍ إلَى جِنْسِ مَا يَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ هُنَا قُلْنَا وَمِنْ قَاعِدَةِ أَهْلِ الشَّرْعِ أَيْضًا دَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَنَافِعِ فَإِذَا تَعَارَضَتْ مَصْلَحَةٌ وَمَفْسَدَةٌ قُدِّمَ دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِالْمَنْهِيَّاتِ أَشَدُّ مِنْ اعْتِنَائِهِ بِالْمَأْمُورَاتِ وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ»

وَرُوِيَ فِي الْكَشْفِ حَدِيثُ: «لَتَرْكُ ذَرَّةٍ مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ» ، وَمِنْ ثَمَّةَ تَرْكُ الْوَاجِبِ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ وَلَمْ يُسَامِحْ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَنْهِيَّاتِ خُصُوصًا الْكَبَائِرَ، كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إنْ امْتَنَعَ الطَّرِيقُ بِالْكُلِّيَّةِ فَعِنْدَ إمْكَانِهِ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فَلَا.

(فَإِنَّمَا عِلَاجُهُ) أَيْ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْكِبْرِ (بِمَعْرِفَتَيْنِ) إحْدَاهُمَا مَعْرِفَةُ أَنَّ فَضْلَهُ (إنَّمَا هُوَ بِمُقَارَنَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>