أَنَّ مُرَادَنَا بِالدِّقَّةِ فِيهِمَا) فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ (كَثْرَةُ صَبِّ الْمَاءِ) وَالْمُبَالَغَةُ فِي صَبِّهِ (وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ) الْمَشْرُوعِ (فِي عَدَدِ الْغَسْلِ) كَأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (وَالْعَصْرِ) فِيمَا يَطْهُرُ بِالْعَصْرِ كَالتَّثْلِيثِ (فِي طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ) النَّجَاسَاتِ الْحُكْمِيَّةِ (وَالْأَخْبَاثِ) النَّجَاسَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ مُغَلَّظَةً أَوْ مُخَفَّفَةً (وَغَسْلِ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ) بِمُجَرَّدِ وَهْمِ النَّجَاسَةِ وَالْوَسْوَسَةِ بِلَا عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ بِخِلَافِ غَسْلِ الطَّاهِرِ لِلْوَسَخِ وَالدَّنَسِ وَالنَّظَافَةِ (وَعَدِّ الْمَاءِ الطَّاهِرِ) فِي نَفْسِهِ إمَّا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ فِي الْأَشْيَاءِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ طَهَارَتَهُ يَقِينًا وَيُوهِمُ طُرُوُّ النَّجَاسَةِ بِلَا دَلِيلٍ (نَجِسًا) بِكَسْرِ الْجِيمِ فَإِنَّهُ بِالْكَسْرِ الشَّيْءُ الَّذِي يَتَنَجَّسُ وَبِالْفَتْحِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ (وَ) أَيْضًا (الِاحْتِرَازُ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْمَاءِ الطَّاهِرِ فِي شَيْءٍ مَا (وَإِصَابَتِهِ) لِشَيْءٍ كَبَدَنِهِ وَثَوْبِهِ (بِمُجَرَّدِ الْوَهْمِ) وَالْوَسْوَسَةِ بِلَا ظَنٍّ بِدَلِيلٍ وَقَرِينَةٍ اعْلَمْ أَنَّ الْوَهْمَ رُجْحَانُ جِهَةِ الْخَطَأِ، وَالظَّنُّ رُجْحَانُ جِهَةِ الصَّوَابِ، وَالشَّكُّ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ.
وَأَمَّا أَكْبَرُ الرَّأْيِ، وَغَالِبُ الظَّنِّ فَهُوَ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ إذَا أَخَذَ بِهِ الْقَلْبُ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالظَّنُّ مِنْ قَبِيلِ الشَّكِّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ (وَتَرْكُ بَعْضِ الْمُهِمَّاتِ الدِّينِيَّةِ) وُجُوبًا أَوْ نَدَبًا (بِسَبَبِ الِاشْتِغَالِ بِهَا) بِالْوَسَاوِسِ وَهُوَ الْأَوْلَى، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِهِمَا وَفَسَّرَ بِأَمْرِ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ (كَالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالْفِكْرِ) فِي عَجَائِبِ مَصْنُوعَاتِهِ وَغَرَائِبِ مُكَوِّنَاتِهِ وَآلَائِهِ تَعَالَى تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللَّهِ وَقَدْ سَبَقَ التَّفْصِيلُ فَمَنْ فَسَّرَ بِالتَّفَكُّرِ فِي آلَائِهِ لَمْ يُصِبْ (وَالتَّذْكِيرِ) وَالْعِظَةِ {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: ٥٥] وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُوَسِّعَ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّدْرِيسِ (بَلْ الْجَمَاعَةُ) وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهَا وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ (وَالصَّلَاةُ) رَاتِبَةً أَوْ نَفْلًا كَالضُّحَى وَالتَّهَجُّدِ (وَفِعْلُ بَعْضِ الْمَكْرُوهَاتِ) بَلْ الْمَنْهِيَّاتِ (كَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَى الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ) كَمَا فِي الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهُ لِاشْتِغَالِهِ بِالتَّطَهُّرِ عَلَى حُكْمِ تِلْكَ الْوَسْوَسَةِ يَمْضِي الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ (وَتَعْيِينِ إنَاءٍ لِلْوُضُوءِ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ إنَاءِ غَيْرِهِ، وَلَا غَيْرُهُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْغَيْرَ عَنْ إنَائِهِ وَهُمَا مِنْ التَّجْنِيسِ (وَ) تَعْيِينِ (سَجَّادَةٍ لَا يُصَلِّي عَلَى غَيْرِهَا، وَلَا غَيْرُهُ عَلَيْهَا) مَعَ أَنَّهُمَا مَكْرُوهَانِ فِي الشَّرْعِ يَظُنُّ أَنَّ فِي ذَلِكَ احْتِيَاطًا مَعَ أَنَّهُ وَرَعٌ بَارِدٌ.
[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِيمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ]
(وَالسُّؤَالُ عَنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالْإِنَاءِ وَالْمَكَانِ وَالْبِسَاطِ وَاللِّبَاسِ بِلَا أَمَارَةٍ ظَاهِرَةٍ) دَالَّةٍ (عَلَى نَجَاسَتِهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ) مِمَّا لَا يَلْزَمُ فِيهِ التَّعَمُّقُ وَالتَّوَغُّلُ مِثْلُ السُّؤَالِ عَنْ حِلِّ الطَّعَامِ وَحُرْمَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَمَارَةٍ دَالَّةٍ عَلَيْهِمَا (فَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي كَوْنِ الدِّقَّةِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ وَالتَّفْتِيشِ وَالتَّعَمُّقِ فِيهِ بِدْعَةً) الظَّاهِرُ فِي الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهَا (لَمْ تَصْدُرْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِينَ) مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَقَدْ عَرَفْت فِيمَا قَبْلَ هَذَا مَعْنَى السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي عُرْفِهِمْ فَإِنْ قِيلَ إنَّ مَا ذُكِرَ خَارِجٌ عَنْ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ وَالْإِجْمَاعِ، وَالْمَفْهُومُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ مَا صَدَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ حُجَّةٌ قُلْنَا: إنْ بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَدَاخِلٌ فِي الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ بِاخْتِلَافٍ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ الْخِلَافُ فَقَدْ يَصْلُحُ حُجَّةً، وَالتَّفْصِيلُ فِي الْأُصُولِ فِي مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ فِي بَحْثِ السُّنَّةِ وَقَدْ قَرَّرَ أَيْضًا فِي عِلْمِ الْمِيزَانِ أَنَّ الْمُطَالِبَ الظَّنِّيَّةَ قَدْ تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالْعُلَمَاءِ وَسَائِرِ مَنْ يَحْسُنُ الظَّنُّ بِهِ (وَأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى سَعَةٍ وَرُخْصَةٍ وَفَتْوَى بِهِمَا) الْأَوْلَى بِهَا؛ إذْ الرُّخْصَةُ بِمَعْنَى السَّعَةِ (فِيهِ) أَيْ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَمِرِّينَ عَلَى الرُّخْصَةِ وَالْفَتْوَى لَا الْعَزِيمَةِ وَالتَّقْوَى فَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ صُدُورُ الرُّخْصَةِ مِنْهُمْ لَيْسَ إلَّا أَحْيَانًا أَوْ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَإِلَّا فَالْعَمَلُ بِالْأَوْلَى وَالِاحْتِيَاطِ لَيْسَ إلَّا طَرِيقُ الْوَرَعِ فَإِنْ قِيلَ عَنْ حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُفْعَلَ رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ الْعَبْدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute