وَفِيهِ أَيْضًا بَعْدَ ذِكْرِ بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْخَرَائِطِيِّ الطَّعَامُ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا قَدْ صَارَتْ عِنْدَ النَّاسِ الْآنَ سُنَّةً وَتَرْكُهَا بِدْعَةً فَانْقَلَبَ الْحَالُ وَتَغَيَّرَتْ الْأَحْوَالُ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا كَرَاهَةُ الْإِجَابَةِ لِمِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ فَلِأَنَّهَا إعَانَةٌ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] وَقَدْ قَدَّمَ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ كَوْنَ الِاجْتِمَاعِ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ ثُمَّ صَنْعَتِهِمْ الطَّعَامَ مَعْدُودَيْنِ مِنْ النِّيَاحَةِ ثُمَّ إنَّ النُّصُوصَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ الضِّيَافَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الطَّعَامِ لِلضِّيَافَةِ فِي أَيَّامِ الْمُصِيبَةِ لِأَنَّهَا أَيَّامُ تَأَسُّفٍ فَلَا يَلِيقُ بِهَا مَا يَكُونُ لِلسُّرُورِ وَإِنْ اُتُّخِذَ الطَّعَامُ لِلْفُقَرَاءِ كَانَ حَسَنًا ثُمَّ قَالَ وَلَا تَظُنَّ أَنَّ الْمُعْتَادَ فِي زَمَانِنَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ قَاضِي خَانْ فَإِنَّهُ ظَنٌّ بَاطِلٌ إذْ الْمُعْتَادُ دَعْوَةُ الْمَشَايِخِ وَالْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَالْجِيرَانِ بِلَا تَمْيِيزٍ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ الْأَغْنِيَاءُ وَيَنْظِمُونَ لَهُمْ مَكَانًا مَخْصُوصًا وَيَبْسُطُونَ فُرُشًا كَثِيرَةً وَوُسُدًا رَفِيعَةً كَمَا يَفْعَلُونَ فِي الْوَلِيمَةِ وَدَعْوَةِ الْخِتَانِ فَهَلْ لِلضِّيَافَةِ مَعْنًى غَيْرُ هَذَا ثُمَّ قَالَ مُرَادُ قَاضِي خَانْ إرْسَالُ الطَّعَامِ إلَى الْفُقَرَاءِ لَا الدَّعْوَةُ وَالِاجْتِمَاعُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَفِيهِ أَيْضًا مَا حَاصِلُهُ عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالطَّعَامِ لِمَنْ يَحْضُرُ التَّعْزِيَةَ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ مَقَامُهُ أَوْ لِمَنْ يَجِيءُ مِنْ بَعِيدٍ وَلَوْ غَنِيًّا فَجَائِزٌ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا فَلَا وَالْوَصِيَّةُ بِالطَّعَامِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَاطِلَةٌ فَيَكُونُ مِيرَاثًا وَإِنْ فَعَلَهُ الْوَرَثَةُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَمَكْرُوهٌ وَبِدْعَةٌ وَكَذَا إجَابَةُ دَعْوَتِهِمْ وَفِيهِ زِيَادَةُ تَفْصِيلٍ
[الرَّابِعَ عَشَرَ حُكْمُ الْمِرَاء]
(الرَّابِعَ عَشَرَ الْمِرَاءُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (وَهُوَ طَعْنٌ فِي كَلَامِ الْغَيْرِ) وَاعْتِرَاضٌ عَلَيْهِ (بِإِظْهَارِ خَلَلٍ فِيهِ إمَّا) بِالْكَسْرِ (فِي اللَّفْظِ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ) صَرْفًا أَوْ نَحْوًا أَوْ بَلَاغَةً (أَوْ فِي الْمَعْنَى أَوْ فِي الْمُتَكَلِّمِ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الْكَلَامُ حَقٌّ وَلَكِنْ لَيْسَ قَصْدُك مِنْهُ الْحَقَّ) وَإِنَّمَا أَنْتَ فِيهِ صَاحِبُ غَرَضٍ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ كَقَوْلِك لِمَنْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ لَيْسَ مُرَادُك حَقًّا بَلْ مُرَادُك رِيَاءً أَوْ سُمْعَةً (وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْتَبِطَ بِهِ غَرَضٌ سِوَى تَحْقِيرِ الْغَيْرِ) فَلَوْ لِإِظْهَارِ الصَّوَابِ وَالدَّلَالَةِ مَا هُوَ الْحَقُّ فِي الْوَاقِعِ فَلَيْسَ مِنْ الْآفَاتِ بَلْ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ أَشَارَ الشَّارِعُ إلَى الْأَمْرِ بِهِ بِقَوْلِهِ {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: ١٢٥] الْآيَةَ (وَإِظْهَارِ مَزِيَّةِ الْكِيَاسَةِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute