للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرَدْت لِنَفْسِي خَيْرًا دُونَ الْمُسْلِمِينَ «وَلَا تُكْثِرْ الضَّحِكَ» بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَهِيَ كَيْفِيَّةٌ يَحْصُلُ فِيهَا انْبِسَاطٌ فِي الْقَلْبِ مِمَّا يُعْجِبُ الْإِنْسَانَ مِنْ السُّرُورِ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْوَجْهِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ مُضِرٌّ بِالْقَلْبِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا وَهُوَ فِعْلُ السُّفَهَاءِ وَالْأَرَاذِلِ مُورِثٌ لِلْأَمْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ وَلِذَا قَالَ «فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ» أَيْ تُصَيِّرُهُ مَغْمُورًا فِي الظُّلُمَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْعِ نَفْسِهِ وَلَا دَفْعِ الضُّرِّ عَنْهَا وَحَيَاتُهُ أَوْ إشْرَاقُهُ مَادَّةُ كُلِّ الْخَيْرِ وَمَوْتُهُ وَظُلْمَتُهُ مَادَّةُ كُلِّ شَرٍّ وَبِحَيَاتِهِ تَكُونُ قُوَّتُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَتَصَوُّرُهُ الْمَعْلُومَاتِ وَحَقَائِقَهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَلِذَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ لَا تُكْثِرْ الضَّحِكَ مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ وَلَا تَمْشِ فِي غَيْرِ أَرَبٍ وَلَا تَسْأَلْ عَمَّا لَا يَعْنِيك وَلَا تُضِعْ مَالَك وَتُصْلِحْ مَالَ غَيْرِك فَإِنَّ مَالَك مَا قَدَّمْت وَمَالَ غَيْرِك مَا أَخَّرْت

وَقَالَ مُوسَى لِلْخَضِرِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - أَوْصِنِي فَقَالَ كُنَّ بَسَّامًا وَلَا تَكُنْ غَضْبَانَ وَكُنْ نَفَّاعًا وَلَا تَكُنْ ضِرَارًا وَأَنْزِعْ عَنْ اللَّجَاجَةِ وَلَا تَمْشِ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا تَضْحَكْ مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ وَلَا تُعَيِّرْ الْخَاطِئِينَ بِخَطَايَاهُمْ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِك يَا ابْنَ عِمْرَانَ وَفِي صُحُفِ مُوسَى عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ كَيْفَ يَضْحَكُ عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ كَيْفَ يَفْرَحُ عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ كَيْفَ يَنْصَبُ عَجَبًا لِمَنْ رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا كَيْفَ يَطْمَئِنُّ إلَيْهَا

وَفِي الْحَدِيثِ إيذَانٌ بِالْإِذْنِ فِي قَلِيلِ الضَّحِكِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ كَمَا فِي الْفَيْضِ وَخَيْرٌ مِنْهُ التَّبَسُّمُ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا قَوْمٌ يَتَحَدَّثُونَ وَيَضْحَكُونَ فَوَقَفَ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَزْجُرْكُمْ فَقُلْنَا وَمَا هَاذِمُ اللَّذَّاتِ قَالَ الْمَوْتُ» (هق عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْعَبْدَ لَيَقُولُ الْكَلِمَةَ لَا يَقُولُهَا إلَّا لِيُضْحِكَ بِهَا الْمَجْلِسَ» أَيْ أَهْلَهُ «يَهْوِي بِهَا» يَسْقُطُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ فِي دَرَكَاتِ النِّيرَانِ «أَبْعَدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَزِلُّ عَنْ لِسَانِهِ أَشَدَّ مِمَّا يَزِلُّ عَنْ قَدَمَيْهِ» يَعْنِي: صُدُورُ الْكَذِبِ وَالْفَاحِشَةِ أَضَرُّ لَهُ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ ضَرَرِ سُقُوطِهِ عَلَى وَجْهِهِ قَالَ الشَّاعِرُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ

جِرَاحَاتُ السِّنَانِ لَهَا الْتِئَامُ ... وَلَا يَلْتَامُ مَا جَرَحَ اللِّسَانُ.

[الثَّانِي مِنْ السِّتَّةِ الْمَدْحُ]

(وَالثَّانِي) مِنْ السِّتَّةِ (الْمَدْحُ وَهُوَ جَائِزٌ) تَارَةً وَمَنْهِيٌّ تَارَةً عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَجِبُ تَعْظِيمُهُ فَهُوَ مِنْ الْقُرَبِ وَأَعْلَى الرُّتَبِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ «لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى» أَيْ إنَّهُ يُحِبُّ الْمَدْحَ مِنْ عِبَادِهِ لِيُثِيبَهُمْ عَلَى مَدْحِهِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الشُّكْرِ لِلْوَاحِدِ الْخَالِقِ فَإِذَا كَانَ الْأَشْخَاصُ الْمُذْنِبُونَ الْقَاصِرُونَ يُحِبُّونَ الْمَدْحَ فَاَلَّذِي يَسْتَحِقُّهُ أَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمَمْدُوحُ فِي أَوْصَافِهِ الْمَحْمُودُ عَلَى أَفْعَالِهِ الْمُنْعِمُ عَلَى عِبَادِهِ وَزَادَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ مُسْلِمٍ «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ» الْحَدِيثَ وَإِنَّمَا جَازَ

<<  <  ج: ص:  >  >>