- {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة: ١١٣]- الْآيَةَ وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ ضَحْضَاحِ النَّارِ وَأَيْضًا حَدِيثُ: «أَهْوَنُ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَبُو طَالِبٍ لَهُ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ» وَيُرْوَى أَنَّهُ جُمِعَ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ فَأَوْصَى بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِعَانَةِ الضُّعَفَاءِ وَإِعْطَاءِ السَّائِلِينَ وَصِدْقِ الْأَحَادِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَاتِ ثُمَّ أَوْصَى بِمُتَابَعَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَمِينُ الْعَرَبِ وَصَادِقُ الْقَوْلِ وَأَنَّ مَا ادَّعَاهُ يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ وَيَشْهَدُهُ اللِّسَانُ وَاعْتِقَادِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُؤْمِنُ بِهِ بِلَادُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَتُسْلِمُ إلَيْهِ وَيَكُونُ حَلُّ الْعَالَمِ وَعَقْدُهُ فِي تَصَرُّفِهِ يَا بَنِي هَاشِمٍ تَقَرَّبُوا إلَيْهِ وَأَعِينُوا بِأَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ أَشْرَافُ قُرَيْشٍ وَلَمْ يُخْلُوهُ خَوْفًا مِنْ إيمَانِهِ وَقَالَ يَا عَمَّاهُ جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا حَمَيْتنِي فِي صِغَرِي وَكِبَرِي وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْك قُصُورٌ فِي رِعَايَتِي فَغَايَةُ رَجَائِي مِنْك إيمَانُك لِيُكَافِئَ خِدْمَتَك فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ أَعْلَمُ إشْفَاقَك إيَّايَ لَكِنْ أَخَافُ إنْ مِتُّ عَلَى الْإِيمَانِ مِنْ أَنْ يُتْعِبُوك لِأَجْلِ إيمَانِي فَلَوْلَا هَذَا لَجَعَلْتُك مَسْرُورًا بِهَذَا فَقَرَأَ أَبْيَاتًا مَضْمُونُهَا كَلَامُك حَقٌّ وَأَنْتَ أَمِينٌ فَلَمَّا سَمِعَتْهَا قُرَيْشٌ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَأَلَحُّوا بِعَدَمِ تَرْكِ دِينِ آبَائِهِ فَبِالْآخِرَةِ قَالَ لَا أَتْرُكُ دِينَ أَجْدَادِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا عَمَّاهُ أَنْتَ تُوصِي قَوْمَك بِإِيمَانِي وَلَا تُؤْمِنُ فَقَالَ لَوْ كُنْت فِي صِحَّةٍ لَآمَنْتُ بِك لَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ خَافَ مِنْ الْمَوْتِ (وَهُوَ) أَيْ خَوْفُ الذَّمِّ وَالتَّعْيِيرِ السَّبَبُ.
[الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ حُبُّ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ]
(الرَّابِعُ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ وَالْخَامِسُ)
مِنْ الذَّمِيمَةِ السِّتِّينَ (حُبُّ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ وَهُمَا) أَيْ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ يَعْنِي خَوْفَ الذَّمِّ وَحُبَّ الْمَدْحِ (كَحُبِّ الرِّيَاسَةِ) الَّذِي سَبَقَ (سَبَبًا) بِالْمَدْحِ إلَى مُشْتَهَيَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالتَّوَسُّلِ إلَى أَخْذِ حَقِّهِ وَالتَّلَذُّذِ بِهِ عَلَى ظَنِّ الْكَمَالِ (وَحُكْمًا) مِنْ الْحُرْمَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَالْمَذْمُومَةِ (وَعِلَاجًا) مَنْ عَلِمَ عَدَمَ كَوْنِهِ كَمَالًا حَقِيقَةً لِفِنَائِهِ بَلْ هُوَ أَمْرٌ وَهْمِيٌّ سَرِيعُ الزَّوَالِ وَعَمَلُ مَا يُسْقِطُ الْمَدْحَ مِنْ أَلْسُنِ النَّاسِ (غَيْرَ أَنَّ السَّبَبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ) فِي حُبِّ الْجَاهِ وَهُمَا التَّوَسُّلُ إلَى مَا حَرَّمَ وَإِلَى أَخْذِ الْحَقِّ وَنَحْوِهِ (فِي الْأَوَّلِ) فِي خَوْفِ الذَّمِّ وَالتَّعْيِيرِ خَوْفٌ (عَدَمُ التَّوَسُّلِ) إلَى مَا حَرَّمَ مِنْ الْمُشْتَهَيَاتِ أَوْ خَوْفُ عَدَمِهِ إلَى أَخْذِ الْحَقِّ وَنَحْوِهِ.
(وَالثَّالِثُ) فِي حُبِّ الْجَاهِ، وَهُوَ التَّلَذُّذُ بِهِ نَفْسِهِ هُوَ التَّأَلُّمُ بِالشُّعُورِ الْمَذْكُورِ فِي خَوْفِ الذَّمِّ (التَّأَلُّمُ بِشُعُورِ النُّقْصَانِ وَعَدَمِ مِلْكِ الْقُلُوبِ وَالْحِشْمَةِ) أَيْ التَّعْظِيمِ (فِيهَا) أَيْ الْقُلُوبِ (وَعِلَاجُهُ) عِلَاجُ زَوَالِ خَوْفِ الذَّمِّ (أَنْ تُحْضِرَ) أَنْتَ فِي (قَلْبِك) أَيْ تَخْطِرَ بِبَالِك وَتَقُولَ فِي نَفْسِك (إنَّ الذَّامَّ) مَنْ يَذُمُّنِي (إنْ كَانَ صَادِقًا) فِي ذَمِّهِ بِأَنْ صَدَرَ عَنْهُ مَا يُذَمُّ بِهِ (فَقَدْ عَرَّفَنِي) الظَّاهِرُ مِنْ التَّعْرِيفِ يَعْنِي عَرَّفَنِي مَا لَمْ أَعْرِفْهُ مِنْ حَالِ نَفْسِي فَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُمْكِنُ عَدَمُ الْعِلْمِ فِيمَا صَدَرَ عَنْهُ، وَهُوَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ مَسْبُوقٌ بِالْقَصْدِ وَالِاخْتِيَارِ وَذَا عَلَى وَفْقِ الْعِلْمِ قُلْنَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ الْعِلْمُ عَلَى عِلْمِهِ وَأَنْ لَا يَعْلَمَ كَوْنَ مَا صَدَرَ عَنْهُ مَذَمَّةً بِاعْتِقَادِهِ حَسَنًا (وَذَكَّرَنِي) مَا نَسِيته مِنْ حَالِ نَفْسِي فَهَذَا فِي صُورَةِ الْمَعْرِفَةِ الَّتِي عَرَضَ عَلَيْهَا الْغَفْلَةَ (وَنَبَّهَنِي) مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ (عَلَى عَيْبِي) الَّذِي ذَهِلْت عَنْهُ؛ لِأَنَّ حُبَّ الشَّيْءِ يُعْمِي وَيُصِمُّ (فَإِنْ كَانَ مُمْكِنَ الزَّوَالِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute