للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ نَحْوِ الْكِبْرِ وَالرِّيَاءِ وَالْحَسَدِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَظُلْمِ الْعِبَادِ (فَاجْتَهَدَ فِي إزَالَتِهِ فَهُوَ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ التَّعْرِيفِ وَالتَّذْكِيرِ (نِعْمَةٌ) نَبَّهَك عَلَى عَيْبِك أَخُوك؛ لِأَنَّ ثَمَرَتَهَا حَسَنَةٌ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَخُصَّ مَا يُذَمُّ بِهِ بِمَا هُوَ مَذَمَّةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَفِي الشَّرْعِ دُونَ مَا هُوَ فِي الِاعْتِقَادِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَكُونُ الْمَذَمَّةُ اعْتِقَادًا مِمَّا يَمْتَنِعُ إزَالَتُهُ شَرْعًا (تُوجِبُ الْفَرَحَ بِهَا وَالْحُبَّ) لِذَلِكَ الذَّامِّ (وَالثَّنَاءَ وَالْمُكَافَأَةَ) بِالْجَمِيلِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إنَّ فُلَانًا اغْتَابَك فَبَعَثَ إلَيْهِ طَبَقَ حَلْوَى وَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّك أَهْدَيْت إلَيَّ حَسَنَاتِك فَكَافَأْتُك وَكَذَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ فُلَانٌ يَغْتَابُك فَأَرْسَلَ إلَيْهِ دَنَانِيرَ فَقَالَ لَوْ يُعْطِينَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَنُكْثِرُ أَنْ نُعْطِيَهُ مِنْ الدُّنْيَا (لِمُعْطِيهَا) أَيْ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَهُوَ الذَّامُّ (وَلَوْ أَرَادَ) الذَّامُّ (قَدْحِي وَطَعْنِي إذْ نِيَّتُهُ) أَيْ الذَّامِّ (لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا) أَيْ فِي كَوْنِ تِلْكَ النِّعْمَةِ نِعْمَةً يَعْنِي لَا تُغَيِّرُهَا عَنْ كَوْنِهَا نِعْمَةً لِي (وَلَا تُخْرِجُهَا مِنْ أَنْ تَنْفَعَ لِي) وَكَوْنُهَا نِعْمَةً إنَّمَا تَدُورُ عَلَى النَّفْعِ وَكَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مَنْ يُعَرِّفُنِي إنْ مَادِحًا فَأَقُولُ هَذَا وَلِيٌّ مَا رَآنِي إلَّا بِصُورَتِهِ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرَانِي وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَإِنْ ذَامًّا فَأَقُولُ هَذَا رَجُلٌ قَدْ كَشَفَ اللَّهُ لَهُ عَنْ عَيْبِي وَلَا يُكَاشِفُ الْأُولَى وَهَذَا رَجُلٌ يُسَمِّنِي بِمَا يُنْسَبُ إلَيَّ وَيَذْكُرُ حَتَّى نَتَحَفَّظَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ فَمَا يَنْصَحُ عِبَادَ اللَّهِ إلَّا وَلِيٌّ هَذَا كَانَ اعْتِقَادُهُ فِي الْخَلْقِ كُلِّهِمْ لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ الْحُبِّ وَالثَّنَاءِ يَقْتَضِي الرِّضَا وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الذَّمَّ مَعْصِيَةٌ وَالرِّضَا بِالْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ كَمَا أَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ وَكَوْنُ الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ الشَّخْصِيِّ الْجُزْئِيِّ مَعْصِيَةً وَطَاعَةً مَعًا مُمْتَنِعٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ يَتَّصِفُ بِالْأُمُورِ الْمُتَقَابِلَةِ بِالِاعْتِبَارَاتِ الْمُتَقَابِلَةِ فَمِنْ حَيْثُ صُدُورُهُ عَنْ الذَّامِّ قَبِيحٌ وَمِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالْمَذْمُومِ حَسَنٌ كَمَا أَنَّ الْمَعَاصِيَ مِنْ حَيْثُ خَلْقُهُ تَعَالَى لَيْسَ بِقَبِيحٍ وَمِنْ حَيْثُ كَسْبُ الْعَبْدِ قَبِيحٌ (بَلْ تَزِيدُ) تِلْكَ النِّيَّةُ الْفَاسِدَةُ نِعْمَةً أُخْرَى أَوْ تِلْكَ النِّعْمَةَ عَلَى نَفْعِي (لِصَيْرُورَةِ ذَمِّهِ حِينَئِذٍ) حِينَ إذْ أَرَادَ قَدْحِي وَطَعْنِي (لَمْزًا) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ اعْتِيَادُ الطَّعْنِ فِي الْأَعْرَاضِ، وَقِيلَ الطَّعْنُ فِي وَجْهِ الْمَطْعُونِ وَقِيلَ بِاللِّسَانِ وَبِالْعَيْنِ وَالْحَاجِبِ وَقِيلَ اسْتِهْزَاءٌ عَلَيَّ وَسُخْرِيَةٌ لِي وَقَوْلُهُ (أَوْ غِيبَةً) يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي وَجْهِ الْمَطْعُونِ (فَيَكُونُ) الظَّاهِرُ أَنَّ التَّفْرِيعَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغِيبَةِ فَقَطْ (مُهْدِيًا) مِنْ الْإِهْدَاءِ (إلَيَّ بَعْضَ حَسَنَاتِهِ) إنْ كَانَتْ كَثِيرَةً وَالْغِيبَةُ قَلِيلَةٌ وَإِلَّا فَيَكُونُ الْإِهْدَاءُ بِجَمِيعِ حَسَنَاتِهِ هَذَا إنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَةٌ كَمَا رُوِيَ أَنَّ مَنْ اغْتَابَ غَيْرَهُ مِنْ النَّاسِ ذَهَبَتْ حَسَنَاتُهُ إلَى صَحَائِفِ ذَلِكَ حَتَّى لَا تَبْقَى لَهُ حَسَنَةٌ ثُمَّ تُكْتَبُ سَيِّئَاتُ الْغَيْرِ فِي صَحِيفَتِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (أَوْ مُنْقِذًا لِي) مِنْ الْإِنْقَاذِ أَيْ مُخَلِّصًا وَمُنْجِيًا (مِنْ بَعْضِ ذُنُوبِي) وَفِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ مَثَلُ الَّذِي يَغْتَابُ النَّاسَ كَمَثَلِ مَنْ نَصَبَ مَنْجَنِيقًا يَرْمِي بِهِ حَسَنَاتِهِ شَرْقًا وَغَرْبًا فَيَغْتَابُ وَاحِدًا خُرَاسَانِيًّا وَآخَرَ حِجَازِيًّا وَآخَرَ تُرْكِيًّا فَيُفَرِّقُ حَسَنَاتِهِ فَيَقُومُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، وَقِيلَ يُؤْتَى الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابُهُ وَلَا يَرَى فِيهِ حَسَنَةً فَيَقُولُ أَيْنَ صَلَاتِي وَصِيَامِي وَطَاعَتِي فَيُقَالُ ذَهَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>