وَيُهَانُ عَلَيْهِ وَيَسْقُطُ مِنْ نَظَرِهِمْ (وَعَدَمُ الِاعْتِرَافِ بِخَطَئِهِ) مَعَ أَنَّهُ يَعْلَمُ كَوْنَهُ فِي خَطَإٍ (وَ) عَدَمُ (الشُّكْرِ لَهُ) لِصَاحِبِهِ عَلَى إعْلَامِهِ وَإِرْشَادِهِ إلَى الْحَقِّ الْأَوْلَى مَعَ أَنَّ اللَّائِقَ بِحَالِهِ عِنْدَ ذَلِكَ هُوَ الشُّكْرُ وَعَدَمُ ذَلِكَ الْقَبُولِ (إمَّا لِعَدَمِ الْإِصْغَاءِ وَالتَّأَمُّلِ فِي كَلَامِهِ احْتِقَارًا وَاسْتِصْغَارًا لَهُ) يَعْنِي لَا يُصْغِي لِكَلَامِهِ لِعَدَمِ اعْتِنَائِهِ بِكَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي اعْتِقَادِهِ حَقِيرٌ وَصَغِيرٌ وَكَذَا عَدَمُ تَأَمُّلِهِ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ عَدَمُ الشُّكْرِ، وَعَدَمُ الِاعْتِرَافِ يَقْتَضِي فَهْمَ كَلَامِ صَاحِبِهِ وَقَوْلُهُ هَذَا يَقْتَضِي جَانِبَ عَدَمِ فَهْمِهِ فَافْهَمْ قِيلَ هُنَا كَمَا فَعَلَهُ الْمُدَرِّسُونَ مَعَ تَلَامِذَتِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي أَيْدِيهِمْ وَكَمَا فَعَلَ الْكَفَرَةُ مَعَ الْقُرْآنِ لَا يَخْفَى الْكَلَامُ فِي الْمُنَاظَرَةِ وَهُمَا لَيْسَا بِمُنَاظَرَةٍ وَأَنَّ عَدَمَ اعْتِرَافِ الْأُسْتَاذِ مِنْ التِّلْمِيذِ يَجُوزُ لِمَصْلَحَةٍ كَتَشْحِيذِ الْأَذْهَانِ وَاخْتِبَارِ الْأَفْهَامِ وَعَدَمِ زَوَالِ اعْتِقَادِ التِّلْمِيذِ فِي حَقِّ أُسْتَاذِهِ فَيُخِلُّ بِتَعَلُّمِهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضٍ (أَوْ عِنَادًا وَمُكَابَرَةً) أَيْ إصْرَارًا عَلَى الْبَاطِلِ وَنُصْرَةً لِلْبَاطِلِ وَتَقْوِيَةً لَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ (فَكُلُّ هَذِهِ) الْمَذْكُورَاتِ (إنْ كَانَ فِي الْمَلَإِ فَقَطْ فَرِيَاءٌ) وَلَيْسَ فِيهِ كِبْرٌ فَيُعَالَجُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ قَطْعِ الطَّمَعِ عَنْ النَّاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَدْوِيَةِ الرِّيَاءِ (وَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَلَإِ (وَفِي الْخَلْوَةِ) جَمِيعًا (فَكِبْرٌ) فَيَنْبَغِي أَنْ يُدَاوِمَ التَّوَاضُعَ وَالْمَسْكَنَةَ حَتَّى يَظْهَرَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْوَاعُ الْعُلُومِ الرَّبَّانِيَّةِ وَأَصْنَافُ الْمَعَارِفِ السُّبْحَانِيَّةِ كَالتُّرَابِ لِتَوَاضُعِهِ تَحْتَ الْأَقْدَامِ أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ أَنْوَاعَ الثِّمَارِ وَالطَّعَامِ «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَفِيفَ الْمُؤْنَةِ لَيِّنَ الْخُلُقِ كَرِيمَ الطَّبِيعَةِ جَمِيلَ الْمُعَاشَرَةِ طَلْقَ الْوَجْهِ بَسَّامًا مِنْ غَيْرِ ضَحِكٍ مَحْزُونًا مِنْ غَيْرِ عُبُوسٍ رَقِيقَ الْقَلْبِ رَءُوفًا رَحِيمًا لَمْ يَتَجَشَّأْ قَطُّ مِنْ شِبَعٍ وَلَمْ يَمُدَّ يَدَهُ لِطَمَعٍ يَعُودُ الْمَرِيضَ وَيُشَيِّعُ الْجِنَازَةَ وَيُجِيبُ الدَّعْوَةَ» قَالَ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ «وَلَا يَحْتَقِرُ مَا دُعِيَ إلَيْهِ وَلَوْ إلَى كُرَاعٍ وَيَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَلَوْ حَشَفَ التَّمْرِ وَيَعْلِفُ الْبَعِيرَ وَالشَّاةَ وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ وَيَخْصِفُ النَّعْلَ وَيَرْقَعُ الثَّوْبَ وَيَأْكُلُ مَعَ الْخَادِمِ وَيَطْحَنُ مَعَهُ إذَا عَيِيَ وَيُقِيمُ حَوَائِجَ الْبَيْتِ وَيَحْمِلُ حَاجَتَهُ فِي السُّوقِ إلَى أَهْلِهِ وَيَتَصَافَحُ مَعَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَيَبْدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ وَيُسَلِّمُ عَلَى الصِّبْيَانِ إذَا مَرَّ بِهِمْ» ، وَلِهَذَا قِيلَ مِنْ رَأْسِ التَّوَاضُعِ أَنْ يَبْدَأَ بِالسَّلَامِ مَنْ لَقِيَهُ، كَذَا نُقِلَ عَنْ التَّوْفِيقِ وَالْإِحْيَاءِ
[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ آخِرُ مَبَاحِثِ الْكِبْرِ فِي أَسْبَابِ الضَّعَةِ]
آخِرُ مَبَاحِثِ الْكِبْرِ (فِي أَسْبَابِ الضَّعَةِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ (وَالتَّوَاضُعِ وَفَوَائِدِهِمَا) مِنْ قَبِيلِ اسْتِكْشَافِ الْأَشْيَاءِ بِالْأَضْدَادِ فَالتَّوَاضُعُ ضِدُّ التَّكَبُّرِ وَقِيلَ خَفْضُ الْجَنَاحِ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَقِيلَ التَّكَبُّرُ لِلْأَغْنِيَاءِ وَالتَّذَلُّلُ لِلْفُقَرَاءِ وَعَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِالرُّكُونِ إلَى رُؤْيَةِ النَّفْسِ دُونَ غَيْرِهِ (أَمَّا الْأُولَى) مِنْ أَسْبَابِ الضَّعَةِ (فَهِيَ مَعْرِفَةُ نَفْسِهِ مِنْ أَيْنَ إلَى أَيْنَ) مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ نُطْفَةٍ ثُمَّ عَلَقَةٍ ثُمَّ مُضْغَةٍ ثُمَّ جِسْمٍ جَمَادٍ ثُمَّ نُفِخَ الرُّوحُ فِيهِ وَوُكِّلَتْ بِهِ الْأَمْرَاضُ إلَى أَنْ كَانَ آخِرُهُ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَتَفَرُّقَ الْأَجْزَاءِ وَغِذَاءَ الدِّيدَانِ وَتَنَادِي الْهَوَامِّ وَالْحَشَرَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute