للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْلَقْ بِثَوْبِهَا رِيبَةٌ فَهِيَ طَاهِرَةُ الثَّوْبِ كَمَا يُقَالُ نَقِيُّ الثَّوْبِ وَعَفِيفُ الذَّيْلِ {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: ٤] وَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ نَفْخَ جَبْرَائِيلَ وَقَعَ فِي فَرْجِهَا وَإِنَّمَا نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا وَيُقَرِّبُ إلَيْهِ مَا قَالُوا فِي عَدَمِ تَكَرُّرِ قِصَّةِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ تَكْرَارِ أَكْثَرِ الْقَصَصِ الْقُرْآنِيَّةِ مِنْ أَنَّ فِيهَا ذِكْرَ الْجَمَالِ وَافْتِتَانِ النِّسْوَانِ بِأَبْدَعِ النَّاسِ جَمَالًا وَلِذَا نُهِيَ عَنْ تَعْلِيمِ سُورَةِ يُوسُفَ لَلنِّسْوَانِ

وَأَمَّا ذِكْرُ اسْمِ مَرْيَمَ فِي الْقُرْآنِ مَعَ أَنَّ الْأَشْرَافَ يَجْتَنِبُونَ عَنْ التَّصْرِيحِ بِاسْمِ حَرَائِرِهِمْ وَيُكَنُّونَ عَنْهُنَّ بِنَحْوِ الْفَرْشِ وَصَاحِبَةِ الْبَيْتِ فَلَمَّا قَالَ النَّصَارَى فِي مَرْيَمَ مَا قَالُوا صَرَّحَ اللَّهُ بِاسْمِهَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِعِيسَى أَبٌ يُنْسَبُ إلَيْهِ صَرَّحَ بِاسْمِهَا لِيُنْسَبَ إلَيْهَا كَذَا فِي الْإِتْقَانِ (وَالْأَدَبُ أَنْ يُذْكَرَ بِالْكِنَايَةِ) قَالَ فِي الْإِتْقَانِ أَيْضًا إنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْكِنَايَةِ تَرْكَ اللَّفْظِ إلَى مَا هُوَ أَجْمَلُ كَكِنَايَةِ النَّعْجَةِ عَنْ الْمَرْأَةِ فِي قَوْله تَعَالَى - {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} [ص: ٢٣] وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْقُرْآنِ امْرَأَةً بِاسْمِهَا إلَّا مَرْيَمَ وَمِنْهَا كَوْنُ التَّصْرِيحِ مِمَّا يُسْتَقْبَحُ كَكِنَايَتِهِ تَعَالَى عَنْ الْجِمَاعِ بِالْمُلَامَسَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَالْإِفْضَاءِ وَالرَّفَثِ وَالدُّخُولِ وَالسِّرِّ - {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: ٢٣٥]- وَالْغَشَيَانِ {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} [الأعراف: ١٨٩] وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - الْمُبَاشَرَةُ الْجِمَاعُ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُكَنِّي وَأُخْرِجَ عَنْهُ قَالَ إنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُكَنِّي مَا شَاءَ وَإِنَّ الرَّفَثَ هُوَ الْجِمَاعُ وَكَنَّى عَنْ طَلَبِهِ بِالْمُرَاوَدَةِ فِي وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا وَعَنْهُ وَعَنْ الْمُعَانَقَةِ بِاللِّبَاسِ فِي هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَبِالْحَرْثِ فِي {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢٢٣] وَعَنْ الْبَوْلِ بِالْغَائِطِ بِمَعْنَى الْمَكَانِ الْمُطْمَئِنِّ انْتَهَى (وَهُوَ دَأْبُ الصَّالِحِينَ) بَلْ دَأْبُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَدْ قَالَ تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ فِي الْعُيُوبِ الْمُسْتَهْجَنِ ذِكْرُهَا كَالْبَرَصِ وَالْبَخَرِ (دُنْيَا نُعَيْمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَنَّةُ حَرَامٌ عَلَى الْفَاحِشِ أَنْ يَدْخُلَهَا» الْفَاحِشُ ذُو الْفُحْشِ فِي قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ أَيْ لَا يَدْخُلُهَا مَعَ الْأَوَّلِينَ أَوْ لَا يَدْخُلُهَا بِلَا تَعْذِيبٍ إلَّا إنْ عُفِيَ عَنْهُ لَكِنْ يَرِدُ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْفُحْشِ الْقَوْلِيِّ هُنَا مَا يَكُونُ كَبِيرَةً مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ فَإِنَّ الْإِنْذَارَ لَا يَكُونُ إلَّا لَهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ بَلْ فِي كَوْنِهِ صَغِيرَةً خَفَاءٌ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ عَلَى أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ الْعِرَاقِيِّ سَنَدُ هَذَا الْحَدِيثِ لَيِّنٌ.

[الثَّانِيَ عَشَرَ الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالتَّعْيِيرُ]

(الثَّانِيَ عَشَرَ) (الطَّعْنُ) فِي الْأَنْسَابِ (وَالتَّعْيِيرُ) (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: ١١] أَيْ لَا يَعِبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَوْ لَا تَفْعَلُوا مَا تَلْمِزُونَ بِهِ فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ مَا اسْتَحَقَّ بِهِ اللَّمْزَ فَقَدْ لَمَزَ نَفْسَهُ (ت عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ بِذَنْبٍ تَابَ مِنْهُ فَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَنَا لَا بَلْ نَعْمَلُ بِهِمَا إنْ أَمْكَنَ كَذَا قِيلَ لَكِنْ يُحْمَلُ عِنْدَنَا أَيْضًا عِنْدَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ وَالْحَادِثَةِ وَدَخَلَا عَلَى الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ وَوَقَعَا فِي الْإِثْبَاتِ لَا النَّفْيِ تَدَبَّرْ قَالَ الْمُنَاوِيُّ هَذَا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ وَقَالَ الْبَغَوِيّ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ خَالِدًا لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا أَوْ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ قَالَ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ كَذَّابٌ وَمِنْ ثَمَّةَ أَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعِ انْتَهَى لَعَلَّ عَلِيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>