قَالَ أَبُو حَيَّانَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ قِسْمَانِ قِسْمٌ وَرَدَ تَفْسِيرُهُ بِالسَّمْعِ وَقِسْمٌ لَمْ يَرِدْ وَالْأَوَّلُ إمَّا عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَيْك تَصْحِيحُ سَنَدِهِ أَوْ عَنْ الصَّحَابَةِ فَإِنْ كَانَ لُغَةً فَاعْتَمِدْهُ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْأَقْوَالُ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَقَدِّمْ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَشَّرَهُ وَقَالَ «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» وَرَجَّحَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَ زَيْدٍ فِي الْفَرَائِضِ أَوْ عَنْ التَّابِعِينَ فَإِنْ صَحَّ الِاعْتِمَادُ فَكَمَا سَبَقَ وَإِلَّا فَوَجَبَ الِاجْتِهَادُ وَأَمَّا مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَقْلٌ فَقَلِيلٌ وَالتَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِمَعْرِفَةِ الْمُفْرَدَاتِ اللُّغَوِيَّةِ وَمَدْلُولَاتِهَا وَاسْتِعْمَالَاته ابِحَسَبِ السِّيَاقِ (فَإِذَا حَصَلَ لَهُ هَاتَانِ الْمَعْرِفَتَانِ) وُجُوهُ اللُّغَةِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ (فَلَهُ أَنْ يُفَسِّرَهُ وَلَا يَكُونُ تَفْسِيرُهُ بِالرَّأْيِ) الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَجَائِزٌ لِعَمَلِ الْأَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ
وَفِي الْمِفْتَاحِ عَنْ الْأَئِمَّةِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَسِّرَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْرِفَ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَأَى قَاصًّا وَالنَّاسُ حَوْلَهُ أَتَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنْ الْمَنْسُوخِ قَالَ لَا قَالَ هَلَكْت وَأَهْلَكْت وَحِينَ رَأَى الْأَعْمَشُ قَاصًّا فِي الْمَسْجِدِ يَقُولُ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ فَتَوَسَّطَ الْأَعْمَشُ الْحَلْقَةَ وَجَعَلَ يَنْتِفُ شَعْرَ إبِطِهِ فَقَالَ لَهُ الْقَصَّاصُ نَحْنُ فِي عِلْمٍ وَأَنْتَ تَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ الْأَعْمَشُ الَّذِي فِيهِ أَنَا خَيْرٌ مِنْ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ قَالَ كَيْفَ قَالَ لِأَنَّى فِي سُنَّةٍ وَأَنْتَ فِي كَذِبٍ أَنَا الْأَعْمَشُ وَمَا حَدَّثْتُك مِمَّا تَقُولُ شَيْئًا وَتَفْصِيلُهُ فِي أَوَائِلِ مَوْضُوعَاتِ عَلِيٍّ الْقَارِي (أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ آيَاتٍ وَاسْتَنْبَطُوا مِنْهَا أَحْكَامًا مَبْنِيَّةً عَلَى فَهْمِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى اللَّمْسِ بِالْيَدِ) أَيْ بِبَاطِنِ الْكَفِّ (فَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ بِلَمْسِ النِّسَاءِ) بِمُجَرَّدِ الْيَدِ إنْ لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً (وَ) حَمَلَهُ (أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى الْجِمَاعِ فَلَمْ يُوجِبْهُ بِهِ) لِفَقْدِ السَّبَبِ عِنْدَهُ (وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى) قِيلَ هُنَا الْأَوْلَى أَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا هُوَ عَنْ التَّفْسِيرِ وَلَوْ عَلِمَ وُجُوهَ اللُّغَةِ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَصَّلُ بِالسَّمْعِ فَاخْتُصَّ بِذَلِكَ الصَّحَابَةُ فَالْغَيْرُ إنْ أَتَى عَلَى طَرِيقِ التَّفْسِيرِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَيَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ فَمَا صَدَرَ مِنْ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا هُوَ تَأْوِيلٌ إذْ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَدْخَلٌ لِأَنَّهُ صَرَفَ الْكَلَامَ إلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ فَإِنْ وَافَقَ الْأُصُولَ مِنْ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَةِ أَوْ الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ الْعَرَبِيَّةِ فَصَحِيحٌ وَإِلَّا فَفَاسِدٌ فَالتَّأْوِيلُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدِّرَايَةِ بِخِلَافِ التَّفْسِيرِ
[الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ إخَافَةُ الْمُؤْمِنِ]
(الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ) (إخَافَةُ الْمُؤْمِنِ) وَكَذَا الذِّمِّيُّ (مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ) فَلَوْ كَانَ بِذَنْبٍ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى ذَبِّهِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ قَاعِدَةُ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ كَمَا بَيَّنَ فِي الشِّرْعَةِ فَلَيْسَ بِآفَةٍ ظَاهِرُهُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَعُمَّ الْفِعْلَ أَيْضًا (وَإِكْرَاهُهُ عَلَى مَا لَا يُرِيدُهُ) أَيْ الْمُؤْمِنِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْآفَاتِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِكْرَاهِ كَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ (كَالْهِبَةِ) وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ فِي نَفْسِهَا وَلِذَا قَالَ فِي قَاضِي خَانْ كَمَا نُقِلَ عَنْهُ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ جَاءَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى عَادَةِ التُّرْكُمَانِ وَجَمِيعُ النَّاسِ يَقُولُونَ هَبِي مَهْرَك لِزَوْجِك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute