للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْزِلُ الْعَبْدَ مِنْهُ حَيْثُ أَنْزَلَهُ الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ) فَمَنْزِلَةُ اللَّهِ عِنْدَ الْعَبْدِ فِي قَلْبِهِ عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِهِ إيَّاهُ وَعِلْمِهِ بِهِ، وَإِجْلَالِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ، وَإِقَامَةِ الْحُرْمَةِ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَ أَحْكَامِهِ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَنَفْسٍ مُطْمَئِنَّةٍ وَالتَّسْلِيمِ لَهُ بَدَنًا وَرُوحًا، وَقَلْبًا وَمُرَاقَبَةِ تَدْبِيرِهِ فِي أُمُورِهِ، وَلُزُومِ ذِكْرِهِ وَالنُّهُوضِ بِأَثْقَالِ نِعَمِهِ وَمَنِّهِ وَتَرْكِ مَشِيئَتِهِ لِمَشِيئَتِهِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ وَالنَّاسُ فِي ذَلِكَ دَرَجَاتٌ وَحُظُوظُهُمْ بِقَدْرِ حُظُوظِهِمْ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَأَوْفَرُهُمْ حَظًّا مِنْهَا أَعْظَمُهُمْ دَرَجَةً عِنْدَهُ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ. وَعَنْ ابْنِ عَطَاءٍ إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ مَقَامَك عِنْدَهُ فَانْظُرْ مَا أَقَامَك فِيهِ، وَعَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ قَدْرَك عِنْدَهُ فَانْظُرْ فِيمَا يُقِيمُك مَتَى رَزَقَك الطَّاعَةَ.

وَجْهُ الِاسْتِشْهَادِ مَا قِيلَ: حَاصِلُهُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ رَاضِيًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا فَعَلَ فَاَللَّهُ رَاضٍ عَنْهُ (وَالشُّرُورُ وَالْمَعَاصِي مَقْضِيَّانِ لَا قَضَاءً) كَأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَرَدَ عَلَى قَوْلِهِ وَضِدُّهُ الرِّضَا إلَخْ. حَاصِلُهُ إذَا أُلْزِمَ الرِّضَاءُ بِالْقَضَاءِ لَزِمَ الرِّضَا بِالشُّرُورِ وَالْمَعَاصِي وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ وَبِالْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ لُزُومُ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالشُّرُورُ وَالْمَعَاصِي مَقْضِيَّانِ لَا قَضَاءَانِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ (فَلَا يُرَادُ أَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ وَبِالْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ) .

[الْأَرْبَعُونَ التَّعْلِيقُ ذِكْرُ قِوَامِ بِنْيَتِك عَنْ شَيْءٍ]

(الْأَرْبَعُونَ التَّعْلِيقُ، وَهُوَ ذِكْرُ قِوَامِ بِنْيَتِك عَنْ شَيْءٍ) مُتَعَلِّقٍ بِالذِّكْرِ (دُونَ اللَّهِ تَعَالَى) يَعْنِي أَنَّ التَّعْلِيقَ تَعْلِيقُ الْخَاطِرِ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْأَشْيَاءِ فِيمَا يُقِيمُ بِهِ الْبِنْيَةَ وَرَبْطُ النَّفْسِ بِذَلِكَ كَالطَّعَامِ وَالدَّوَاءِ وَالْمَسْكَنِ وَالْمَلْبَسِ (وَضِدُّهُ) أَيْ التَّعْلِيقِ (التَّوَكُّلُ، وَهُوَ ذِكْرُ قِوَامِ بَدَنِك عَنْ اللَّهِ تَعَالَى) لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِغَيْرِهِ. اعْلَمْ أَنَّ التَّوَكُّلَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَكَالَةِ، وَهِيَ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى الْغَيْرِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فِيهِ وَيُسَمَّى الْمَوْكُولُ إلَيْهِ وَكِيلًا وَالْمُفَوِّضُ مُتَّكِلًا وَمُتَوَكِّلًا فَالتَّوَكُّلُ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى الْوَكِيلِ وَحْدَهُ (وَقِيلَ كِلَةُ الْأَمْرِ) عَلَى وَزْنِ عِدَةٍ وَزِنَةٍ مِنْ وَكَلَ أَيْ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ (كُلِّهِ إلَى مَالِكِهِ وَالتَّعْوِيلُ عَلَى، وَكَالَتِهِ، وَقِيلَ تَرْكُ السَّعْيِ فِيمَا لَا يَسَعُهُ قُدْرَةُ الْبَشَرِ أَعْنِي الْمُسَبِّبَاتِ فَلَا يَضُرُّهُ السَّعْيُ فِي الْأَسْبَابِ) الْعَادِيَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ} [العنكبوت: ١٧] فَإِنَّهُ هُوَ الرَّزَّاقُ إذْ الِابْتِغَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِتَشَبُّثِ الْأَسْبَابِ {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٣] أَيْ كَافِيهِ فَفِيهِ تَعْوِيلٌ عَلَى وَكَالَتِهِ تَعَالَى {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: ٣٦] {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا} [المائدة: ٢٣] أَيْ فَوِّضُوا الْأَمْرَ إلَيْهِ {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: ٢٣] ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الدَّقَّاقِ التَّوَكُّلُ رَدُّ الْعَيْشِ إلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَإِسْقَاطُهُمْ غَدٌ. وَعَنْ سَهْلٍ هُوَ الِاسْتِرْسَالُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا يُرِيدُ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخَرَّازِ هُوَ أَنْ يَسْتَوِيَ عِنْدَك الْإِكْثَارُ وَالتَّقَلُّلُ، وَعَنْ ابْنِ مَسْرُوقٍ هُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِجَرَيَانِ الْقَضَاءِ وَالْأَحْكَامِ، وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِاَللَّهِ مَعَ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ هُوَ الْأَكْلُ بِلَا طَمَعٍ، وَقِيلَ هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>