كَمَا إذَا ظَنَّ عُمُومَ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ أَوْ عَدَمَ صَبْرِهِ عَلَيْهِ كَمَا قِيلَ
وَدَارِهِمْ مَادُمْت فِي دَارِهِمْ ... وَأَرْضِهِمْ مَا دُمْت فِي أَرْضِهِمْ
وَعَنْ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ مَنْ عَصَى أَمْرَ وَالِدَيْهِ لَمْ يَرَ السُّرُورَ مِنْ وَلَدِهِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَشِرْ فِي الْأُمُورِ لَمْ يَنَلْ حَاجَتَهُ وَمَنْ لَمْ يُدَارِ أَهْلَهُ ذَهَبَتْ لَذَّةُ عَيْشِهِ قِيلَ مَرَّ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالُوا لَهُ شَرًّا فَقَالَ لَهُمْ خَيْرًا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ يُنْفِقُ مِمَّا عِنْدَهُ وَفِي الْبُسْتَانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَفَعَهُ «رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ مُدَارَاةُ النَّاسِ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ» .
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إنَّا لَنَبَشُّ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَعَنْ أَبَوَيْهَا «أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ أَوْ بِئْسَ رَجُلٌ أَخُو الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْت لَهُ مَا قُلْت ثُمَّ أَلَنْت لَهُ الْقَوْلَ فَقَالَ إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ أَكْرَمَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ» انْتَهَى عَنْ الْقُرْطُبِيِّ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ غَيْبَةِ الْمُعْلِنِينَ بِالْفِسْقِ مَعَ جَوَازِ مُدَارَاتِهِمْ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْمُدَاهَنَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَاهَنَةِ وَالْمُدَارَاةِ أَنَّ الْمُدَارَةَ بَذْلُ الدُّنْيَا لِصَلَاحِ الدُّنْيَا أَوْ الدِّينِ أَوْ هُمَا مَعًا فَمُبَاحَةٌ وَرُبَّمَا اُسْتُحْسِنَتْ.
وَالْمُدَاهَنَةُ بَذْلُ الدِّينِ لِصَلَاحِ الدُّنْيَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا بَذَلَ لَهُ مِنْ دُنْيَاهُ لِحُسْنِ عِشْرَتِهِ وَالرِّفْقِ فِي مُكَالَمَتِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَمْدَحْهُ بِقَوْلِهِ فَلَمْ يُنَاقِضْ قَوْلُهُ فِيهِ فِعْلَهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ قَوْلُ حَقٍّ وَفِعْلُهُ حُسْنُ عِشْرَةٍ فَلَا يُتَوَهَّمُ التَّنَاقُضُ
[الْخَمْسُونَ الْأُنْسُ بِالنَّاسِ وَالْوَحْشَةُ لِفِرَاقِهِمْ]
(الْخَمْسُونَ الْأُنْسُ بِالنَّاسِ وَالْوَحْشَةُ لِفِرَاقِهِمْ) بِدُونِ فَائِدَةٍ دِينِيَّةٍ إذْ الْأُنْسُ بِالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ مَمْدُوحٌ (وَهَذَا مَذْمُومٌ) لِأَنَّهُ نَاشِئٌ مِنْ نِسْيَانِ الْآخِرَةِ وَمُفْضٍ إلَى تَعْطِيلِ الْأَوْقَاتِ الْمَوْضُوعَةِ لِلطَّاعَةِ وَأَنَّ أَكْثَرَ الْمَعَاصِي كَالْكِبْرِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالرِّيَاءِ وَحُبِّ رَأْسِ كُلِّ خَطِئَةٍ يَتَوَلَّدُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر: ٤٥]- (فَلِذَا قِيلَ) الْقَائِلُ أَبُو بَكْرٍ الشِّبْلِيُّ (وَمِنْ عَلَامَةِ الْإِفْلَاسِ) خُلُوُّ الْقَلْبِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ تَعَالَى وَبُعْدُهُ عَنْ جَنَابِ قُدْسِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَذَّةِ الْعِبَادَةِ وَالذِّكْرِ وَالْفِكْرِ (الِاسْتِئْنَاسُ بِالنَّاسِ) طَلَبُ الْأُنْسِ بِهِمْ فِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ فِي بَابِ الْخَلْوَةِ قَالَ سَمِعْت الشَّيْخَ أَبَا عَلِيٍّ يَقُولُ الشِّبْلِيُّ يَقُولُ الْإِفْلَاسَ الْإِفْلَاسَ يَا نَاسُ فَقِيلَ لَهُ مَا عَلَامَةُ الْإِفْلَاسِ فَقَالَ مِنْ عَلَامَةِ الْإِفْلَاسِ الِاسْتِئْنَاسُ بِالنَّاسِ وَقِيلَ مَنْ خَالَطَ النَّاسَ دَارَاهُمْ وَمَنْ دَارَاهُمْ رَاءَاهُمْ مِنْ الرِّيَاءِ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَرْبٍ دَخَلْت عَلَى مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ وَهُوَ فِي دَارِهِ وَحْدَهُ فَقُلْت أَمَا تَسْتَوْحِشُ وَحْدَك فَقَالَ مَا كُنْت أَرَى أَنْ أَحَدًا يَسْتَوْحِشُ مَعَ اللَّهِ وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ فَقَالَ مَا جَاءَ بِك فَقَالَ أَكُونُ مَعَك قَالَ إنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَكُونُ بِالشَّرِكَةِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَأْنِسْ بِاَللَّهِ لَمْ يَسْتَأْنِسْ بِشَيْءٍ لَكِنْ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ كَمَا أُشِيرُ بِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ الدِّينِيِّ مِنْ تِلْكَ النَّاسِ وَإِلَّا قَالُوا كُنْ مَعَ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَكُنْ مَعَ مَنْ كَانَ مَعَ اللَّهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: ١١٩]
وَفِي رِسَالَةِ تَاجِ الدِّينِ النَّقْشَبَنْدِيِّ كَانَ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ تِلْمِيذٌ فَقَالَ لَهُ إنَّ مَقَامَك سَبَقَ مَقَامِي فَاذْهَبْ إلَى الْبِسْطَامِيِّ قَدَّسَ سِرَّهُ الْعَزِيزُ فَقَالَ الْمُرِيدُ إنِّي أَصِلُ إلَى اللَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَقَالَ الشَّيْخُ إذَا كَانَ وِصَالُك إلَيْهِ تَعَالَى فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً فَصُحْبَتُك مَعَ أَبِي يَزِيدَ خَيْرٌ لَك فَلَمْ يَذْهَبْ ثُمَّ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ ذَهَبَ الْمُرِيدُ لِبَعْضِ مَصْلَحَةٍ إلَى مَدِينَة أَبِي يَزِيدَ فَذَهَبَ إلَى زِيَارَتِهِ فَلَمَّا رَآهُ اسْتَغْرَقَ فَمَاتَ فَسُئِلَ الشَّيْخُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ قَبْلُ يَصِلُ إلَيْهِ تَعَالَى بِمَقَامِهِ فَلَمَّا وَصَلَ فِي حُضُورِنَا وَوَسَاطَتِنَا بِمَقَامٍ مِنَّا لَمْ يَحْتَمِلْ وُجُودَهُ فَمَاتَ (وَكَذَا الْأُنْسُ بِسَائِرِ مَتَاعِ الدُّنْيَا كَالْكَرْمِ وَالْبُسْتَانِ وَالرَّحَى وَالضَّيْعَةِ وَنَحْوِهَا) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute