للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُكَاشَفَاتِ وَالتَّجَلِّيَاتِ عِنْدَ وُرُودِ الْوَارِدِ الْغَيْبِيِّ عَلَى قَلْبِهِ وَذَلِكَ كَانَ غَالِبَ أَحْوَالِهِ؛ لِأَنَّ رُوحَهُ الزَّكِيَّةَ لَا مَرْتَعَ لَهَا إلَّا فِي الْحَضَرَاتِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْمَنَازِلِ الْقُدْسِيَّةِ فَكَانَ لَا يَغِيبُ عَنْ اللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ ( «أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ» التِّبْنُ وَالْوَسَخُ وَنَحْوُهُمَا بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى أُجُورٍ وَيَجُوزُ نَصْبُهَا بِتَقْدِيرِ حَتَّى رَأَيْت الْقَذَاةَ «يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا» ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَشَأَ عَنْ تَشَاغُلِهِ عَنْهَا بِلَهْوٍ أَوْ فُضُولٍ أَوْ لِاسْتِخْفَافِهِ بِهَا وَتَهَاوُنِهِ بِشَأْنِهَا وَعَدَمِ احْتِرَامِهِ لِأَمْرِهَا فَيَعْظُمُ ذَنْبُهُ عِنْدَ اللَّهِ لِاسْتِهَانَةِ الْعَبْدِ لَهُ بِإِعْرَاضِهِ عَنْ كَلَامِهِ، وَفِيهِ أَنَّ نِسْيَانَ الْقُرْآنِ كَبِيرَةٌ وَلَوْ بَعْضًا مِنْهُ وَهَذَا لَا يُنَاقِضُهُ خَبَرُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ هُنَا ذَنْبُ التَّفْرِيطِ فِي مَحْفُوظِهِ لِعَدَمِ تَعَاهُدِهِ وَدَرْسِهِ، ثُمَّ الْحَدِيثُ تَعَقَّبَهُ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّهُ غَرِيبٌ وَالْبُخَارِيُّ لَمْ يَعْرِفْهُ وَاسْتَغْرَبَهُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ غَيْرُ ثَابِتٍ وَأَنْكَرَهُ الْمَدَنِيُّ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ ضَعِيفٌ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد.

[الرِّبَا]

(وَمِنْهَا الرِّبَا) عَنْ الْقُنْيَةِ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ لِلرِّبَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حُوبًا أَصْغَرُهَا كَمَنْ أَتَى أُمَّهُ فِي الْإِسْلَامِ. وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَيَكْفُرُ جَاحِدُهُ اتِّفَاقًا فِي رِبَا النَّسِيئَةِ وَاخْتِلَافًا فِي رِبَا الْفَضْلِ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَرَى الرِّبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ، وَإِنْ رُوِيَ عَنْهُ الرُّجُوعُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَضَى بِجَوَازِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ بِأَعْيَانِهِمَا أَخْذًا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَنْفُذُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَافَقَهُ فَكَانَ مَهْجُورًا شَرْعًا انْتَهَى لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ إشْكَالٍ أُصُولِيٍّ (وَتَلَقِّي الْجَلْبِ) أَيْ تَلَقِّي بَعْضِ أَهْلِ الْبَلَدِ الْمَجْلُوبَ مِنْ خَارِجِهِ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ إنْ أَضَرَّ بِأَهْلِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيقَ الْأَمْرِ عَلَى الْحَاضِرِينَ وَالْوَارِدِينَ (وَبَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) أَيْ بَيْعُ أَهْلِ الْبَلَدِ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ وَالْقُرَى بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ إلَى مُدَّةٍ إنْ فِي قَحْطٍ فَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهِمْ وَإِلَّا فَلَا (وَالسَّوْمُ عَلَى السَّوْمِ) أَيْ سَوْمِ غَيْرِهِ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا وَهُوَ أَنْ يَرْضَى الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْبَيْعِ وَيَسْتَقِرَّ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعَقْدُ فَيَزِيدُ عَلَيْهِ وَيَبْطُلُ بَيْعُهُ أَمَّا لَوْ زَادَ عَلَيْهِ كَمَا قَبْلَ التَّرَاضِي فَيَجُوزُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الِاخْتِيَارِ (وَالْخِطْبَةُ عَلَى الْخِطْبَةِ) مِنْ جِهَةِ الْمَخْطُوبَةِ أَوْ الْخَاطِبِ (إنْ وُجِدَ دَلِيلُ الرِّضَا لِلْأَوَّلِ) مِنْ السَّوْمَيْنِ أَوْ الْخِطْبَتَيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُسَاوِمُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» .

وَأَمَّا إذَا سَاوَمَهُ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَرْكَنْ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ فَلَا بَأْسَ لِلْغَيْرِ أَنْ يُسَاوِمَهُ وَيَشْتَرِيَهُ، فَإِنَّهُ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ لِعَدَمِ الْإِضْرَارِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهِ وَالْخِطْبَةُ كَذَلِكَ (وَالِاحْتِكَارُ) أَيْ حَبْسُ قُوتِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ حَرَامٌ إنْ أَضَرَّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ وَصَاحِبُهُ مَلْعُونٌ وَكَذَا حَبْسُ الْكِسْوَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَقَالَ أَحْمَدُ يَحْرُمُ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَحَيْثُ يَكُونُ فِيهِ ضِيقٌ وَهَذَا فِيمَا اشْتَرَاهُ مِنْ السُّوقِ لَا فِي غَلَّةِ أَرْضِهِ وَمَجْلُوبِهِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ خَالِصٌ حَقُّهُ وَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>