للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِشَرَفِ مَا جَرَى فِي لِسَانِهِمْ أَوَّلُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ فَلَمَّا رَأَى قُوَّةَ الْإِسْلَامِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَعَلِمَ عِزَّةَ كَلِمَةِ اللَّهِ الْعُلْيَا أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ مَعَ أَتْبَاعِهِ وَكَبَّرَ وَقِيلَ النِّفَاقُ الْعَمَلِيُّ إظْهَارُ الصَّدَاقَةِ وَإِبْطَانُ الْعَدَاوَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح: ١١]- وَعَنْ حَدِيثِ الدَّيْلَمِيِّ «مَنْ تَهَيَّأَ لِلنَّاسِ بِقَوْلِهِ وَلِبَاسِهِ وَخَالَفَ ذَلِكَ بِأَعْمَالِهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» .

وَعَنْ حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ»

[السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ الْجَرْبَزَةُ]

(السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ)

(الْجَرْبَزَةُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا مَلَكَةُ إدْرَاكٍ تَدْعُو إلَى اطِّلَاعِ مَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ كَالْمُتَشَابِهَاتِ وَبَحْثِ الْقَدَرِ (وَعِلَاجُهُ تَأَمُّلُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: ٨٥] {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: ٧] اعْلَمْ أَنَّ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا هُوَ مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ كَمَا فُهِمَ مِنْ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ وَهُوَ أَسْلَمُ وَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَعِنْدَ الْبَعْضِ يُمْكِنُ اطِّلَاعُهُ وَمِنْهُمْ مُجَاهِدٌ وَمَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا حَتَّى قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: ٧]- إنَّا مِمَّنْ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ وَعَنْ النَّوَوِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ حَرَّمَ التَّأْوِيلَ وَنَقَلَ إجْمَاعَ السَّلَفِ عَلَى مَنْعِهِ قَالَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ فِي شَرْحِ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا الْمَاتُرِيدِيَّةُ وَتَوَسَّطَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ التَّأْوِيلَ إنْ قَرِيبًا إلَى مُخَاطَبَاتِ الْعَرَبِ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَنَتَوَقَّفُ وَابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى التَّأْوِيلِ الْخَلَلُ فِي فَهْمِ الْعُمُومِ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى.

قَالَ فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ وَفِي خَتْمِ آيَاتِهِ بِقَوْلِهِ {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} [آل عمران: ٧] تَعْرِيضٌ بِالزَّائِغِينَ وَمَدْحٌ لِلرَّاسِخِينَ يَعْنِي مَنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَلَمْ يُخَالِفْ هَوَاهُ فَلَيْسَ مِنْ أُولِي الْعُقُولِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الرَّاسِخُونَ - {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: ٨] إلَخْ فَخَضَعُوا لِبَارِئِهِمْ بَعْدَ أَنْ اسْتَعَاذُوا بِهِ مِنْ الزَّيْغِ النَّفْسَانِيِّ وَلَعَلَّك سَمِعْت أَيْضًا فِيمَا سَبَقَ (وَضَرَرُهُ الْأَذَى)

[السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ الْبَلَادَةُ وَالْغَبَاوَةُ وَالْحَمَاقَةُ]

(السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ) (الْبَلَادَةُ وَالْغَبَاوَةُ) وَالْحَمَاقَةُ وَهِيَ مَلَكَةٌ يَقْصُرُ صَاحِبُهَا عَنْ إدْرَاكِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالنَّفْعِ وَالضُّرِّ (وَضِدُّهُمَا) بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ (الذَّكَاءُ وَالْفِطْنَةُ) قِيلَ أَوَّلُ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ الْحَمَاقَةُ وَآخِرُهَا الْجَهْلُ وَرُوِيَ أَنَّ عِيسَى قَالَ مَا عَجَزْت عَنْ إحْيَاءِ الْأَمْوَاتِ وَعَجَزْت عَنْ مُعَالَجَةِ الْحَمْقَى وَقَدْ قِيلَ

لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ يُسْتَطَبُّ بِهِ ... إلَّا الْحَمَاقَةَ أَعْيَتْ مَنْ يُدَاوِيهَا

(وَعِلَاجُهُ السَّعْيُ وَالْجِدُّ وَالْمُوَاظَبَةُ فِي التَّعَلُّمِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَبِي يُوسُفَ كُنْت) أَنْتَ (بَلِيدًا) أَحْمَقَ (أَخْرَجَتْك مُوَاظَبَتُك مِنْ الْبَلَادَةِ) حَتَّى صَارَ إمَامًا ثَانِيًا مَعَ كَوْنِهِ عَلَى الْبَلَادَةِ بِنَاءً عَلَى الْجِدِّ وَالسَّعْيِ وَالْإِمَامُ مُحَمَّدٌ مَعَ شِدَّةِ ذَكَائِهِ صَارَ إمَامًا ثَالِثًا لِعَدَمِ سَعْيِهِ مِثْلَ سَعْيِ أَبِي يُوسُفَ اعْتِمَادًا عَلَى ذَكَائِهِ فَانْظُرْ إلَى الْمُوَاظَبَةِ كَيْفَ أَخْرَجَتْ صَاحِبَهَا مِنْ الْبَلَادَةِ وَأَوْصَلَتْهُ إلَى مَرْتَبَةِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي لَمْ يَنَلْهَا إلَّا الْأَفْرَادُ وَقَدْ قَالُوا إذَا تَعَارَضَ قَوْلُهُمَا يُرَجَّحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ صَاحِبُ حَدِيثٍ حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَحْفَظُ عِشْرِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ مِنْ الْمَنْسُوخِ فَمَا ظَنُّك فِي النَّاسِخِ وَكَانَ صَاحِبَ فِقْهٍ وَمَعَانٍ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ صَاحِبَ قَرِيحَةٍ يَعْرِفُ أَحْوَالَ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ وَصَاحِبَ فِقْهٍ وَمَعَانٍ قَلَّ رُجُوعُهُ فِي الْمَسَائِلِ وَكَانَ مُقَدَّمًا فِي مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ وَالْإِعْرَابِ وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْأَحَادِيثِ وَأَبُو حَنِيفَةَ كَانَ مُقَدَّمًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا أَنَّهُ قَلَّتْ رِوَايَتُهُ لِمَذْهَبٍ خَاصٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>