وَعَلَيَّ فَرْوٌ فَنَظَرْت فِيهِ فَلَمْ أُمَيِّزْ بَيْنَ شَعْرِهِ وَبَيْنَ الْقَمْلِ) لِكَثْرَتِهِ وَتَدَاخُلِهِ (فَسَرَّنِي ذَلِكَ) لِاسْتِلْزَامِهِ حَقَارَةَ النَّفْسِ وَعَدَمَ الِالْتِفَاتِ إلَى الرَّوْنَقِ النَّفْسَانِيِّ وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ اهْتِمَامِ السَّلَفِ بِالْكِبْرِ أَيْ بِاحْتِرَازِهِ فَبَعْضُ الثَّلَاثَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَبَعْضُهَا الْتِزَامًا (وَعَنْهُ) أَيْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ (مَا سُرِرْت بِشَيْءٍ كَسُرُورِي فِي يَوْمٍ كُنْت جَالِسًا فَجَاءَ إنْسَانٌ وَبَالَ عَلَيَّ) وَجْهُ السُّرُورِ اسْتِلْزَامُ حَقَارَةِ نَفْسِهِ وَالْحَقَارَةُ إنَّمَا هِيَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَفِيهِ إيذَانٌ بِرُتْبَةِ النَّفْسِ وَعِظَتِهِ لِلنَّفْسِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَهَا يَا نَفْسِي هَلْ عَرَفْت مَقَامَك وَمَنْزِلَتَك فَلَا تَتَكَبَّرِي فِي شَيْءٍ لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا بَيْنَ الْحَصْرَيْنِ مِنْ الْمُنَافَاةِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَا عَلَى الْإِضَافِيِّ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ حَصْرِ السُّرُورِ بِأَحَدِهِمَا فِي وَقْتٍ وَبِالْآخَرِ فِي وَقْتٍ آخَرَ (وَقِيلَ مَنْ رَأَى نَفْسَهُ خَيْرًا مِنْ فِرْعَوْنَ) الَّذِي حُكِمَ بِكُفْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ أَكْثَرُ مِنْهُ ذَمًّا (فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ) قَالُوا لِأَنَّ مَا صَدَرَ مِنْ فِرْعَوْنَ إنَّمَا صَدَرَ بِقَضَائِهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ وَخِذْلَانِهِ وَمَا صَدَرَ مِنْك إنَّمَا صَدَرَ بِتَوْفِيقِهِ تَعَالَى وَلَمْ تَكُنْ أَنْتَ مُحَصِّلًا مُؤَثِّرًا فِيمَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاحِ (وَقَدْ مَرَّ وَجْهُهُ) أَقُولُ وَقَدْ مَرَّ أَيْضًا الْبَحْثُ عَلَيْهِ فِي الرَّابِعِ مِنْ الرِّيَاءِ
(وَقَوْلُ الشِّبْلِيِّ) عَطْفٌ عَلَى الْوَجْهِ (ذُلِّي) عِنْدَ أَنْفُسِي (عَطَّلَ ذُلَّ الْيَهُودِ) الَّذِي ضُرِبَ الْمَثَلُ بِهِ لِقُوَّتِهِ فِيهِمْ وَكَثْرَتِهِ قِيلَ وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ سُلْطَانٌ وَلَا أَمِيرٌ بِخِلَافِ سَائِرِ الْكُفَّارِ قَالُوا لِأَنَّ ذَمَّ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُمْ فِي الْقُرْآنِ أَبْلَغُ مِنْ ذَمِّ النَّصَارَى (وَ) قَوْلُ (أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ لَوْ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ عَلَى أَنْ يَضَعُونِي كَاتِّضَاعِي عِنْدَ نَفْسِي مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ) لِكَوْنِ ضَعَتِي غَايَةً فِي الْكَمَالِ بِحَيْثُ لَا ضِعَةَ فَوْقَهَا وَدَلَالَةُ ذَلِكَ مُطَابَقَةٌ عَلَى الضَّعَةِ وَدَلَالَتُهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَيْ الْكِبْرِ إنَّمَا هِيَ بِالِالْتِزَامِ.
ثُمَّ إنَّمَا أَكْثَرَ السَّلَفُ اهْتِمَامَ الرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ لِقُوَّةِ غَائِلَتِهِمَا وَكَثْرَةِ مَضَرَّتِهِمَا كَحَبْطِ الْأَعْمَالِ وَالنِّزَاعِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي صِفَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِهِ تَعَالَى كَمَا سَبَقَ (وَبِالْجُمْلَةِ مَنْ تَيَقَّنَ) نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَاشِيَةِ هَذَا التَّيَقُّنُ عَلَى اصْطِلَاحِ الصُّوفِيَّةِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْقَلْبِ (بِأَنَّ نَفْسَهُ أَعْدَى عَدُوِّهِ) وَلِهَذَا شُرِعَ الصَّوْمُ لِقَهْرِهَا وَصَارَتْ الْمُجَادَلَةُ وَالْمُجَاهَدَةُ مَعَهَا أَفْضَلَ الطَّاعَاتِ (لَمْ يَسْتَبْعِدْ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ عِنْدَ لُحُوقِ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ لَهَا) أَيْ لِلنَّفْسِ لِأَنَّ شَأْنَ الْأَعْدَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ قَالَ سَهْلٌ مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِثْلِ مُخَالَفَةِ النَّفْسِ وَالْهَوَى وَعَنْ الْجُنَيْدِ هِيَ الدَّاعِيَةُ إلَى الْمَهَالِكِ الْمُعْنِيَةُ لِلْأَعْدَاءِ الْمُتَّبِعَةُ لِلْهَوَى الْمُنْهَمَّةُ بِأَصْنَافِ الْأَسْوَاءِ.
وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ» وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُ غَوَائِلِ النَّفْسِ (وَأَمَّا مَنْ اتَّخَذَهَا) لِعَدَمِ تَنْبِيهِهِ لِدَسَائِسِهَا (أَصْدَقَ أَصْدِقَائِهِ فَيُعِدُّهُ) أَيْ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ عِنْدَ لُحُوقِ الذُّلِّ لِنَفْسِهِ (مُمْتَنِعًا وَمُحَالًا) إذَا صَدَقَ الصَّدِيقُ لَا يَرْضَى وَلَا يُسَرُّ عِنْدَ لُحُوقِ الذُّلِّ لِصَدِيقِهِ بَلْ يَسْتَحِيلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَفِي الْقُشَيْرِيَّةِ عَنْ أَبِي حَفْصٍ مَنْ لَمْ يَتَّهِمْ نَفْسَهُ عَلَى دَوَامِ الْأَوْقَاتِ وَلَمْ يُخَالِفْهَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَلَمْ يَجُرَّهَا إلَى مَكْرُوهِهَا فِي سَائِرِ أَيَّامِهِ كَانَ مَغْرُورًا وَمَنْ نَظَرَ إلَيْهَا بِاسْتِحْسَانِ شَيْءٍ فَقَدْ أَهْلَكَهَا وَكَيْفَ يَصِحُّ لِعَاقِلٍ الرِّضَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ يَقُولُ - {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: ٥٣]-.
[الصِّنْفُ الثَّانِي فِي آفَاتِ اللِّسَانِ وَهُوَ قِسْمَانِ]
[الْقِسْم الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ حِفْظِهِ]
(الصِّنْفُ الثَّانِي) مِنْ التِّسْعَةِ (فِي آفَاتِ اللِّسَانِ وَهُوَ قِسْمَانِ الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ حِفْظِهِ) يَحْفَظُهُ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute