للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَعِظَمِ جُرْمِهِ) اللِّسَانُ عُضْوٌ صَغِيرٌ جِرْمُهُ، كَبِيرٌ جُرْمُهُ (إجْمَالًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ} [ق: ١٨] أَيْ مَلَكٌ يَرْقُبُ عَمَلَهُ {عَتِيدٌ} [ق: ١٨] مُعِدٌّ حَاضِرٌ لِكِتَابَةِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ خَفَاءِ التَّقْرِيبِ ثُمَّ الْمُرَادُ جِنْسُ الرَّقِيبِ وَالْعَتِيدِ وَإِلَّا فَفِي الْحَدِيثِ «كَاتِبُ الْحَسَنَاتِ أَمِيرٌ عَلَى كَاتِبِ السَّيِّئَاتِ فَإِذَا عَمِلَ حَسَنَةً كَتَبَهَا مَلَكُ الْيَمِينِ عَشْرًا وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً قَالَ صَاحِبُ الْيَمِينِ لِصَاحِبِ الشِّمَالِ دَعْهُ سَبْعَ سَاعَاتٍ لَعَلَّهُ يُسَبِّحُ أَوْ يَسْتَغْفِرُ» فَإِذَا كَانَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الْعَبْدُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ مَكْتُوبًا فِي دِيوَانِهِ مُقَرَّرًا عِنْدَ حُضُورِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ فَاللَّازِمُ لَهُ الْإِمْسَاكُ عَنْ فُضُولِ الْكَلَامِ لِئَلَّا يَعْتَرِيَهُ الْخَجْلَةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَضْلًا عَنْ الْحَرَامِ قِيلَ يَكْتُبَانِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَنِينَهُ فِي مَرَضِهِ وَقِيلَ لَا يَكْتُبَانِ إلَّا مَا فِيهِ أَجْرٌ أَوْ وِزْرٌ وَقِيلَ يَجْتَنِبَانِهِ عِنْدَ الْغَائِطِ وَالْجِمَاعِ.

نَقَلَ عَنْ الْعُيُونِ (ت عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تَسْتَكْفِي) أَيْ تَطْلُبُ الْكِفَايَةَ وَالِانْدِفَاعَ مِنْ شَرِّهِ وَفِي رِوَايَةٍ تُكَفِّرُ اللِّسَانَ أَيْ تَذِلُّ وَتَخْضَعُ وَالتَّكْفِيرُ هُوَ أَنْ يَنْحَنِيَ الْإِنْسَانُ وَيُطَأْطِئَ رَأْسَهُ قَرِيبًا إلَى الرُّكُوعِ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يُرِيدُ تَعْظِيمَ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ (اللِّسَانَ فَتَقُولُ) أَيْ الْأَعْضَاءُ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ مُمْكِنٍ أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ فَوَاقِعٌ وَالتَّأْوِيلُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ كَمَا قِيلَ الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى ظَوَاهِرِهَا أَوْ مَجَازًا بِلِسَانِ الْحَالِ (اتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى فِينَا) أَيْ فِي حِفْظِ حُقُوقِنَا (فَإِنَّمَا نَحْنُ بِك) إنَّمَا اسْتِقَامَتُنَا عَلَى نَهْجِ الشَّرْعِ وَانْحِرَافُنَا عَنْهُ مُلَابِسٌ وَمُرْتَبِطٌ بِاسْتِقَامَتِك عَلَيْهِ وَاعْوِجَاجِك عَنْهُ (إنْ اسْتَقَمْت اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا) لَا يَخْفَى أَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ.

وَشَهِدَ عَلَيْهِ الْأَثَرُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى الْقَلْبِ لَا اللِّسَانِ فَلَعَلَّهُ أَصَابَ مَنْ قَالَ هُنَا الْمُرَادُ بِاللِّسَانِ هُنَا الْقُوَّةُ النَّاطِقَةُ وَلِذَا كَانَ اسْتِقَامَةُ الْأَعْضَاءِ وَاعْوِجَاجُهَا تَابِعَةً لَهُ لِأَنَّهَا تَخْدِمُهُ وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ وَانْقِيَادِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللِّسَانَ لِأَنَّهُ مَصْدَرُ النُّطْقِ الَّذِي بِهِ الِاسْتِقَامَةُ وَالِاعْوِجَاجُ لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا وَرَدَ الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ (حَدّ) أَحْمَدُ (عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَسْتَقِيمُ إيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ» بِالْعَزْمِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالتَّجَنُّبِ عَنْ الْمَنْهِيَّاتِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ طَوَارِقِ الْغَفَلَاتِ وَتَرْكِ اللَّذَائِذِ وَالشَّهَوَاتِ وَعَدَمِ الِانْهِمَاكِ فِي الْغَرَضِ الْفَانِي مِنْ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّاتِ «وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ» أَيْ لَا تُعْلَمُ اسْتِقَامَةُ قَلْبِهِ إلَّا بِاسْتِقَامَةِ لِسَانِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْأَثَرِ إلَى الْمُؤَثِّرِ فَعَدَمُ اسْتِقَامَةِ اللِّسَانِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْقَلْبِ وَإِلَّا فَالْقَلْبُ أَمِيرٌ وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ مَأْمُورٌ يَعْمَلُ عَلَى نَهْجِ أَمْرِهِ فَلَا تُؤَثِّرُ اسْتِقَامَةُ اللِّسَانِ فِي اسْتِقَامَةِ الْقَلْبِ بَلْ الْأَمْرُ عَلَى عَكْسٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَا رَسَخَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>