(بِحَسَبِ الْعَارِضِ وَالْكَيْفِ فَعَلَيْك بِصِيَانَتِهِ) أَيْ صِيَانَةِ التَّوَاضُعِ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ هَذِهِ الرَّذَائِلِ حَتَّى يَكُونَ تَوَاضُعُك مَمْدُوحًا.
[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْعُجْبُ]
(الرَّابِعَ عَشَرَ الْعُجْبُ) فِي الصِّحَاحِ قَدْ أُعْجِبَ فُلَانٌ بِنَفْسِهِ يَعْنِي بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَهُوَ مُعْجَبٌ بِرَأْيِهِ وَبِنَفْسِهِ، وَالِاسْمُ الْعُجْبُ (وَهُوَ اسْتِعْظَامُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ) أَيْ اعْتِقَادُ عَظَمَةِ عَمَلِهِ (وَذِكْرُ حُصُولِ شَرَفِهِ بِشَيْءٍ) حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ (دُونَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ النَّفْسِ أَوْ النَّاسِ) بَيَانٌ لِغَيْرِهِ تَعَالَى قِيلَ هُنَا اعْلَمْ أَنَّ الْعُجْبَ إنَّمَا يَكُونُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لَا مَحَالَةَ وَلِلْعَالِمِ بِكَمَالِ نَفْسِهِ مُطْلَقًا حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ خَائِفًا عَلَى تَكَدُّرِهِ أَوْ زَوَالِهِ مِنْ أَصْلِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِمُعْجَبٍ وَالْأُخْرَى أَنْ يَكُونَ خَائِفًا وَلَكِنْ يَكُونُ فَرِحًا بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ لَا مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا لَيْسَ أَيْضًا بِمُعْجَبٍ وَلَهُ حَالَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ خَائِفًا عَلَيْهِ، بَلْ يَكُونُ فَرِحًا بِهِ مُطْمَئِنًّا إلَيْهِ حَيْثُ إنَّهُ كَمَالٌ وَنِعْمَةٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَطِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صِفَةٌ لَهُ وَمَنْسُوبٌ إلَيْهِ نَاسِيًا أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا هُوَ الْعُجْبُ الَّذِي ذُكِرَ هُنَا (وَقَدْ يُطْلَقُ) الْعُجْبُ (عَلَى مُطْلَقِ اسْتِعْظَامِ النِّعْمَةِ وَالرُّكُونِ) أَيْ الْمَيْلِ (إلَيْهَا) دِينِيًّا أَوْ دُنْيَوِيًّا (مَعَ نِسْيَانِ إضَافَتِهَا إلَى الْمُنْعِمِ وَضِدُّهُ) أَيْ الْعُجْبِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ (ذِكْرُ الْمِنَّةِ) أَيْ النِّعْمَةِ وَالْعَطِيَّةِ (مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَهُوَ) أَيْ ذِكْرُهَا (أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ) أَيْ اللَّهَ تَعَالَى (الَّذِي شَرَّفَهُ وَعَظَّمَ ثَوَابَهُ وَقَدْرَهُ) بِفَضْلِهِ بِغَيْرِ صُنْعٍ مِنْهُ (وَهَذَا الذِّكْرُ فَرْضٌ) عَلَى الْعَبْدِ (عِنْدَ دَوَاعِي الْعُجْبِ) مُسْتَحَبٌّ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ.
(وَسَبَبُ الْعُجْبِ فِي الْحَقِيقَةِ الْجَهْلُ الْمَحْضُ) قِيلَ هُوَ مَنْشَأُ عُجْبِ الْمُعْتَزِلَةِ حَيْثُ قَالُوا بِكَوْنِ الْعَبْدِ خَالِقًا لِأَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فِرَارًا مِنْ الْجَبْرِ فَوَقَعُوا فِي الْعُجْبِ بِنَاءً عَلَى هَذَا (أَوْ الْغَفْلَةُ أَوْ الذُّهُولُ) هَذَا سَبَبُ عُجْبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِأَنَّ كَوْنَ كُلِّ شَيْءٍ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ وَأَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ مِنْهُ وَحْدَهُ وَالْعُجْبُ مَعَ تَذَكُّرِهِ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ، بَلْ يَحْصُلُ مِنْ الذُّهُولِ وَالْغَفْلَةِ عَنْ ذَلِكَ.
(فَعِلَاجُهُ الْجُمَلِيُّ) أَيْ الْإِجْمَالِيُّ (مَعْرِفَةُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ) فَلَا يَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْجُزْءَ الِاخْتِيَارِيَّ مِنْ الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ مَرْجِعُ الْكَسْبِ لَيْسَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْخَلْقُ إلَّا بِالْمَوْجُودِ كَمَا مَرَّ (وَأَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ) هِيَ الْمُسْتَلَذُّ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ (مِنْ عَقْلٍ) بَيَانٌ (وَعِلْمٍ وَعَمَلٍ وَجَاهٍ وَمَالٍ وَغَيْرِهَا) كُلُّهَا (مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ) لَا خَالِقَ وَلَا مُنْعِمَ سِوَاهُ هَذَا عِلَاجُ الْعُجْبِ النَّاشِئِ مِنْ الْجَهْلِ بِذَلِكَ وَهُوَ عُجْبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَظَرَ بَعْضٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ إلَى كَثْرَةِ الْعَسْكَرِ وَأَسْلِحَتِهِمْ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، قِيلَ إنَّهُ هُوَ الصِّدِّيقُ الْأَعْظَمُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute