كَالْقُبْلَةِ لَكِنَّا أَدْرَجْنَاهَا فِيمَا لَا يَخْتَصُّ بِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ (قَلْبٌ) هُوَ اللَّطِيفَةُ الرُّوحَانِيَّةُ الْمَنْفُوخَةُ فِي الْجِسْمِ الصَّنَوْبَرِيِّ الْمُودَعِ فِي جَانِبِ الْيَسَارِ مِنْ تَجْوِيفِ الصَّدْرِ الْجُسْمَانِيِّ مِنْ الْإِنْسَانِ (وَأُذُنٌ) الْمُرَادُ هُنَا قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ فِي مُقَعَّرِ الصِّمَاخِ يُدْرِكُ بِهَا الْأَصْوَاتَ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيَّفِ بِكَيْفِيَّةِ الصَّوْتِ إلَى الصِّمَاخِ (وَعَيْنٌ) وَالْمُرَادُ قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الْعَصْبَتَيْنِ الْمُجَوَّفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَتَلَاقَيَانِ فِي الدِّمَاغِ، ثُمَّ تَفْتَرِقَانِ فَتَتَأَدَّيَانِ إلَى الْعَيْنَيْنِ يُدْرِكُ بِهَا الْأَضْوَاءَ وَالْأَلْوَانَ وَالْأَشْكَالَ وَالْمَقَادِيرَ وَالْحَرَكَاتِ وَالْحُسْنَ وَالْقُبْحَ وَغَيْرَ ذَلِكَ (وَلِسَانٌ) الْمُرَادُ الْقُوَّةُ الْمُودَعَةُ فِي الْجُرْمِ الْمُتَّصِلِ بِالْفَمِ الَّذِي يَقْرَعُ الْهَوَاءَ الْخَارِجَ مِنْ الْجَوْفِ فَتَظْهَرُ مِنْهُ صُوَرُ الْحُرُوفِ (وَيَدٌ) الْمُرَادُ الْقُوَّةُ الْمُودَعَةُ فِي الْعُضْوِ الْمَعْرُوفِ لِلتَّصَرُّفِ فِيمَا كَانَ بِهَا (وَبَطْنٌ) هُوَ الْقُوَّةُ الْمُودَعَةُ فِي الْبَاطِنِ لِطَبْخِ الْغِذَاءِ وَتَقْسِيمِهِ فِي الْبَدَنِ (وَفَرْجٌ) ، وَهُوَ آلَةُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُرَادُ الْقُوَّةُ الْمُودَعَةُ فِي ذَلِكَ لِحُصُولِ الْجِمَاعِ (وَرِجْلٌ) الْمُرَادُ الْقُوَّةُ الْمُودَعَةُ فِي الْعُضْوِ الْمَعْرُوفِ لِلْمَشْيِ وَنَحْوِهِ وَلَا دَخْلَ لِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ فِي اقْتِرَافِ الذُّنُوبِ مِنْ دُونِ الْقُوَى الْمُنْبَثَّةِ فِيهَا فَالْعُمْدَةُ فِيهَا قُوَى الْأَعْضَاءِ لَا أَنْفُسُ الْأَعْضَاءِ.
(فَعَلَى السَّالِكِ) مِنْ هَذِهِ الْفَانِيَاتِ إلَى تِلْكَ الْبَاقِيَاتِ (أَنْ يَحْفَظَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ) يُتَصَوَّرُ صُدُورُهَا مِنْ عُضْوِهَا وَيَدُومُ عَلَى ذَلِكَ الْحِفْظِ (حَتَّى يَكُونَ لَهُ مَلَكَةٌ) كَيْفِيَّةٌ رَاسِخَةٌ فِي الْقَلْبِ إلَى أَنْ يَكُونَ طَبِيعَةً مَجْبُولَةً فَيَرْتَفِعُ التَّكَلُّفُ مِنْ الْبَيْنِ (فَيَنْخَرِطُ) يَنْتَظِمُ (فِي سِلْكِ الْمُتَّقِينَ) وَيَتَرَقَّى إلَى دَرَجَةِ الصَّالِحِينَ إلَى أَنْ يُشَارَ إلَيْهِ بِإِشَارَةِ أُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ مِنْ زُمْرَةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ لِتَزَيِّيهِ بِزِيِّهِمْ وَشَبَهِهِ بِهِمْ، وَمَنْ أَشْبَهَ قَوْمًا فَهُوَ مِنْهُمْ فَإِنْ قُلْت السَّادَةُ الصُّوفِيَّةُ قَالُوا لَا بُدَّ هُنَا مِنْ الْعِلْمِ أَوَّلًا وَإِحْكَامُ الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ ثَانِيًا وَإِحْكَامُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِقَامَةِ ثَالِثًا فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ وَتَعَاضَدَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ تَوَلَّدَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وَلَدٌ صَالِحٌ هُوَ نَتِيجَتُهَا وَثَمَرَةُ قُلُوبِهَا وَيُسَمَّى هَذَا الْوَلَدُ بِالتَّقْوَى فَلَا وُجُودَ لِلتَّقْوَى إلَّا بِاعْتِمَادِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كِفَايَةُ مُطْلَقِ مُجَانَبَةِ الْأَعْضَاءِ عَنْ مَعَاصِيهَا
قُلْت إذْ تَفَطَّنْت مَا تَقَدَّمَ حَقَّ التَّفَطُّنِ تَعْرِفُ حُصُولَ بَعْضِ ذَلِكَ مُطَابَقَةً وَبَعْضُهُ تَضَمُّنًا وَبَعْضُهُ الْتِزَامًا، ثُمَّ إنَّ التَّقْوَى لِكَوْنِهَا نَتِيجَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالِاسْتِقَامَةِ تَرَى الْكِتَابَ الْإِلَهِيَّ تَارَةً يُرَغِّبُ إلَى الْعِلْمِ بِقَوْلِهِ {وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: ١٨] {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١٤] {وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: ١١] وَتَارَةً يُرَغِّبُ إلَى الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [يونس: ٩] وَتَارَةً إلَى الِاسْتِقَامَةِ بِقَوْلِهِ {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: ١١٢] {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: ٣٠] وَكُلُّ ذَلِكَ تَرْغِيبٌ إلَى التَّقْوَى إذْ لَا عِبْرَةَ لِلْعَمَلِ بِلَا عِلْمٍ وَلَا عِبْرَةَ لَهُمَا بِلَا اسْتِقَامَةٍ فَتَقْوَى الْجَاهِلِ مَعْدُومَةٌ وَتَقْوَى الْفَاسِقِ مَرْدُودَةٌ فَالْفَضِيلَةُ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالِاسْتِقَامَةِ، وَهَذِهِ أُمُورٌ مُشْكِلَةٌ وَأَشْكَلُهَا الِاسْتِقَامَةُ وَقَدْ نَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شِدَّتِهَا وَصُعُوبَتِهَا حَيْثُ «قَالَ شَيَّبَتْنِي سُورَةُ هُودٍ» الْمُرَادُ قَوْلُهُ {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: ١١٢] وَالِاسْتِقَامَةُ دَوَامُ قِيَامِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بِلَا تَرْكٍ فَلَوْ وُجِدَ وَلَوْ آنِيًّا بِلَا عُذْرٍ انْتَفَتْ الِاسْتِقَامَةُ كَذَا فِي حَلِّ الرُّمُوزِ (فَلَا بُدَّ مِنْ تِسْعَةِ أَصْنَافٍ) لِبَيَانِ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ.
[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ]
[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْخُلُقِ]
(الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ)
الْمُنْكَرَاتُ الصَّادِرَةُ مِنْ الْقَلْبِ (وَآفَاتُهُ) أَيْ الْبَلِيَّةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ (اعْلَمْ أَنَّ صَلَاحَهُ) أَيْ الْقَلْبِ (أَهَمُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إذْ هُوَ) أَيْ الْقَلْبُ (مَلِكٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ (مُطَاعٌ) يُطِيعُ وَيَنْقَادُ إلَى أَمْرِهِ كُلُّ الْأَعْضَاءِ فِي أَقَالِيمِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّهُ (نَافِذُ الْحُكْمِ) وَالتَّصَرُّفِ (وَالْأَعْضَاءُ رَعِيَّةٌ) تَابِعَةٌ لَهُ (وَخُدَّمٌ) بِالتَّشْدِيدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute