جَمْعُ خَادِمٍ (لَهُ فَلِذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً» الْحَدِيثُ) كَمِّلْ الْحَدِيثَ وَقِيلَ أَيْ هُوَ الْحَدِيثُ أَوْ الْحَدِيثُ مَا سَلَفَ «إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا، وَهِيَ الْقَلْبُ» .
قِيلَ عَنْ الْمِشْكَاةِ رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ فِي جَوْفِ الْمُؤْمِنِ الْمُخْلِصِ بَيْتًا وَسَمَّاهُ قَلْبًا، ثُمَّ أَغْلَقَ الْبَابَ وَأَمْسَكَ الْمِفْتَاحَ وَلَمْ يُوَكِّلْ بِهِ جَبْرَائِيلَ وَلَا مِيكَائِيلَ وَلَا غَيْرَهُمَا.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا خَزِينَتِي وَمَوْضِعُ نَظَرِي وَمَسْكَنُ مَعْرِفَتِي فَنِعْمَ الْمَسْكَنُ وَنِعْمَ السَّاكِنُ كُلَّمَا أَفْسَدَهُ الْعَبْدُ مِنْ ظَاهِرِهِ بِالْعِصْيَانِ أَصْلَحَهُ الْمَوْلَى مِنْ بَاطِنِهِ بِالْغُفْرَانِ وَكُلَّمَا لَوَّثَ الشَّيْطَانُ بَدَنَهُ بِالْمَعْصِيَةِ زَيَّنَهُ الرَّحْمَنُ بِالْمَعْرِفَةِ (وَإِصْلَاحُهُ تَخْلِيَتُهُ عَنْ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ) وَيُقَالُ تَهْذِيبُ الْأَخْلَاقِ (وَتَحْلِيَتُهُ) مِنْ حُلِيِّ السَّيْفِ أَيْ تَزْيِينِهِ (بِالْأَوْصَافِ الْحَمِيدَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِسْمَيْنِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي تَفْسِيرِ الْخُلُقِ)
إنَّمَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِعَدَمِ كِفَايَةِ الْمَعْرِفَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ فِي ذِكْرِ أَحْكَامِ الْخُلُقِ لِزِيَادَةِ الْعِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ؛ لِأَنَّ تَفْصِيلَ مَعْنَاهُ يُعِينُ عَلَى قَبُولِ بَعْضِ أَحْكَامِهِ بِلَا احْتِيَاجٍ إلَى إقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ كَالْأَوَّلِيَّاتِ يُفِيدُ الْحُكْمَ الضَّرُورِيَّ بِمُجَرَّدِ تَصَوُّرِ الطَّرَفَيْنِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَكُونُ ضَرُورِيًّا بِبَعْضِ الْعِنْوَانِ وَنَظَرِيًّا بِبَعْضِ عِنْوَانٍ آخَرَ، ثُمَّ لَفْظُ الْخُلُقِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَاللَّامِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا نُقِلَ عَنْ الرَّاغِبِ الْخَلْقِ وَالْخُلْقِ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالشَّرْبِ وَالشُّرْبِ لَكِنْ خُصَّ الْفَتْحُ بِالْهَيْئَاتِ وَالصُّوَرِ الْمُدْرَكَةِ بِالْبَصَرِ وَالضَّمُّ بِالْقَوِيِّ وَالسَّجَايَا الْمُدْرَكَةِ بِالْبَصِيرَةِ (وَبَيَانُ مَنْشَئِهِ) مَبْدَئِهِ وَأَصْلِهِ (وَتَقْسِيمُهُ إلَى الْمَذْمُومِ وَالْمَمْدُوحِ) أَيْ الْأَخْلَاقَ الْحَمِيدَةَ وَالذَّمِيمَةَ (وَطَرِيقُ إزَالَةِ الْأَوَّلِ) بِأَيِّ طَرِيقٍ يُزَالُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالْمُعَالَجَاتِ (وَعِلَاجُهُ) أَيْ أَدْوِيَتُهُ وَمُعَالَجَتُهُ إذْ هُوَ مَرَضٌ رَاسِخٌ صَعْبٌ إزَالَتُهُ فَمُحْتَاجٌ إلَى زِيَادَةِ تَكَلُّفٍ مِنْ الْمُعَالَجَاتِ وَالْأَدْوِيَةِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُرَكَّبَاتِ حَتَّى ذَهَبَ بَعْضٌ إلَى كَوْنِ الْخُلُقِ ضَرُورِيًّا فَيَمْتَنِعُ خُرُوجُهُ فَالتَّكَلُّفُ لِإِخْرَاجِهِ بِالْأَدْوِيَةِ لَيْسَ بِمُفِيدٍ وَقَدْ نُسِبَ ذَلِكَ إلَى الْمُتَصَوِّفَةِ كَمَا وَقَعَ فِي صَرِيحِ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ لَكِنَّ الْحَقَّ أَنْ يُحْمَلَ مُرَادُهُمْ عَلَى كَوْنِ الْإِزَالَةِ صَعْبَةً وَشَقَّةً أَوْ مُرَادُهُمْ ضَرُورِيَّةُ أَصْلِهِ وَامْتِنَاعُ إزَالَةِ أَصْلِهِ لَا أَثَرِهِ وَإِلَّا فَمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ الْمَفَاسِدِ قَرِيبٌ أَنْ لَا يُحْصَى (إجْمَالًا) ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ لَا يَتَحَمَّلُهُ الْكِتَابُ، وَأَنَّ الْإِجْمَالَ دَلِيلٌ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَأَنَّ الْعَارِفَ يَكْفِيهِ الْإِشَارَةُ وَإِلَّا فَلَا يُفِيدُ كَثِيرًا مِنْ السِّفَارَةِ.
(وَتَحْصِيلُ الثَّانِي) الْمَحْمُودُ بَعْدَمَا عُدِمَ (وَإِبْقَائِهِ) بَعْدَمَا وُجِدَ وَعَدَمُ زَوَالِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ (وَحِفْظُ صِحَّتِهِ وَتَقْوِيَتُهُ إجْمَالًا أَيْضًا فَنَقُولُ الْخُلُقُ مَلَكَةٌ) كَيْفِيَّةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ (تُصْدَرُ عَنْهَا الْأَفْعَالُ النَّفْسَانِيَّةُ) مِنْ الِاعْتِقَادِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ أَيْ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَيَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ هَهُنَا أَنَّ الْكَيْفِيَّاتِ أُمُورٌ جِبِلِّيَّةٌ غَيْرُ أَفْعَالٍ وَالتَّكْلِيفُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ فَيَنْتَظِمُ الْخُلُقُ كَيْفِيَّةً وَالتَّكْلِيفُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَيْفِيَّةِ فَيَلْزَمُ عَدَمُ تَعَلُّقِ التَّكْلِيفِ بِتَحْصِيلِ الْمَحْمُودَةِ وَبِإِزَالَةِ الْمَذْمُومَةِ وَجْهُ الِانْدِفَاعِ أَنَّ التَّكْلِيفَ لَيْسَ عَلَى نَفْسِ الْخُلُقِ بَلْ عَلَى أَثَرِهِ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ وَلَا يَمْتَنِعُ صُدُورُ الِاخْتِيَارِيِّ عَنْ الِاضْطِرَارِيِّ كَأَفْعَالِ الْعِبَادِ، فَإِنَّهَا تَصْدُرُ بِأَصْلِ الْقُدْرَةِ الَّذِي كَانَ تَحْصِيلُهُ لَيْسَ بِمَقْدُورٍ لِلْمَخْلُوقِ بَلْ أَمْرٌ اضْطِرَارِيٌّ لِلْعَبْدِ وَيُشِيرُ إلَى اخْتِيَارِيَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ.
(بِسُهُولَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute