للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَغِنَاك قَبْلَ فَقْرِك» اغْتَنِمْ التَّصَدُّقَ بِفُضُولِ مَالِك قَبْلَ عُرُوضِ حَالَةٍ تُفْقِرُك فَتَصِيرُ فَقِيرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهَا إلَّا بَعْدَ زَوَالِهَا؛ وَلِذَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» .

(تَنْبِيهٌ)

قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ: الدُّنْيَا مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْبَدَنُ مَرْكَبٌ وَمَنْ ذَهَلَ عَنْ تَدْبِيرِ الْمَنْزِلِ وَالْمَرْكَبِ لَمْ يَتِمَّ سَفَرُهُ وَمَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ الْمَعَاشِ فِي الدُّنْيَا لَا يَتِمُّ أَمْرُ التَّبَتُّلِ وَالِانْقِطَاعِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ السُّلُوكُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ نَوْعُ مُغَايَرَةٍ فِي التَّرْتِيبِ قَالَ فِي فَيْضِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ ك عَلَى شَرْطِهِمَا، وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ فِي التَّلْخِيصِ وَاغْتَرَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَرَمَزَ لِصِحَّتِهِ، وَهُوَ عَجِيبٌ فَفِيهِ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ أَوْرَدَهُ الذَّهَبِيُّ نَفْسُهُ فِي الضُّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ، وَقَالَ أَحْمَدُ يُخْطِئُ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ هُزَيْمَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. انْتَهَى. فَاحْتِجَاجُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي نَعَمْ قَدْ سَمِعْت غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الضَّعِيفَةَ يُحْتَجُّ بِهَا إنْ وَافَقَتْ الْقِيَاسَ، وَأَيْضًا يُرْوَى إنْ فِي تَأْيِيدِ نَصٍّ، وَأَيْضًا قَالُوا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ الْمَقَامُ كَالْخَطَابِيِّ فَمُطْلَقُ الظَّنِّ كَافٍ. وَأَيْضًا نَقُولُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى تَخْرِيجِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ، وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُرْسَلًا قَالَ شَارِحُهُ هُوَ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ وَقَدْ خَرَّجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ مِنْ السِّتَّةِ فَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى كَلَامٌ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى مُرَادِ الْمَقَامِ.

[الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْفَظَاظَةُ وَغِلْظَةُ الْقَلْبِ]

(الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْفَظَاظَةُ وَغِلْظَةُ الْقَلْبِ) يُقَالُ رَجُلٌ فَظٌّ شَدِيدٌ غَلِيظُ الْقَلْبِ يُقَالُ مِنْهُ فَظَّ يَفَظُّ مِنْ بَابِ تَعِبَ فَظَاظَةً إذَا غَلُظَ حَتَّى يُهَابَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا} [آل عمران: ١٥٩] سَيِّئَ الْخُلُقِ {غَلِيظَ الْقَلْبِ} [آل عمران: ١٥٩] قَاسِيَهُ بِحَيْثُ لَا تَلِينُ لِأَحَدٍ {لانْفَضُّوا} [آل عمران: ١٥٩] أَيْ تَفَرَّقُوا {مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: ١٥٩] الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ صَدْرَ الْآيَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: ١٥٩]- قِيلَ، وَهَذَا مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (الْآيَةَ) ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْهَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِذَلِكَ.

أَقُولُ آخِرُ الْآيَةِ - {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ} [آل عمران: ١٥٩]-، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعَفْوِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالْمُشَاوَرَةِ مِنْ أَضْدَادِ الْفَظَاظَةِ أَوْ لَازِمٌ لَهَا وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ تَأَمَّلْ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: إنَّ مَعْنَى الْعَفْوِ مَضْمُونُ حَدِيثِ «أَفْضَلُ الْفَضَائِلِ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك وَتُحْسِنَ لِمَنْ أَسَاءَ إلَيْك» ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ قَلْبٍ غَلِيظٍ (وَضِدُّهَا اللِّينُ) اللَّيِّنَةُ فِي الْخُلُقِ (وَالرِّفْقُ وَالرِّقَّةُ) يُقَالُ فُلَانٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ (وَهِيَ) أَيْ الرِّقَّةُ (التَّأَذِّي مِنْ أَذًى يَلْحَقُ الْغَيْرَ وَالرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ، وَهُوَ صَرْفُ الْهِمَّةِ إلَى إزَالَةِ الْمَكْرُوهِ عَنْ النَّاسِ. خ م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَا يَرْحَمُ» بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ «لَا يُرْحَمُ»

<<  <  ج: ص:  >  >>