«شَرِّ عِبَادِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَا الْوَجْهَيْنِ» فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ «الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِحَدِيثٍ وَهَؤُلَاءِ» جَمَاعَةً أُخْرَى «بِحَدِيثٍ» آخَرَ إذًا الْمُعَادُ الْمُنَكَّرُ غَيْرُ الْأَوَّلِ إذْ هُوَ مَنْبَعُ إيقَاظِ الْفِتْنَةِ وَمَعْدِنُ الْفَسَادِ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ (وَفِي رِوَايَةٍ «يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ» آخَرَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِصْلَاحِ وَإِلَّا فَمَحْمُودٌ
[السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ الشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ]
(السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ) (الشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ) بِأَنْ تُخَالِفَ الشَّرْعَ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ} [النساء: ٨٥] نَصِيبٌ {مِنْهَا} [النساء: ٨٥] مِنْ وِزْرِهَا (د طب حك عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ حَالَتْ» مِنْ الْحَيْلُولَةِ «شَفَاعَتُهُ» أَيْ صَارَتْ حَائِلَةً وَمَانِعَةً «دُونَ حَدٍّ» إقَامَتِهِ «مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» فَلَمْ يَقُمْ لِشَفَاعَتِهِ «فَقَدْ ضَادَّ» أَيْ خَالَفَ «اللَّهَ تَعَالَى» هَذَا إذَا شَفَعَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بَعْدَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ إلَى الشُّهُودِ بِأَنْ يُقَالَ السَّتْرُ أَفْضَلُ فِي الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْمُدَّعِي فِي قَطْعِ الْيَدِ وَالْقِصَاصِ وَحْدِ الْقَذْفِ قَبْلَ الثُّبُوتِ لِدَرْءِ الْحُدُودِ فَيَجُوزُ بَلْ يُسْتَحَبُّ إذَا تَابَ الْجَانِي وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتُبْ فَلَا يَجُوزُ أَصْلًا.
وَعَنْ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ لِلنَّوَوِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْت يَدَهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ «فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقُطِعَتْ» .
(وَهِيَ) أَيْ الشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ (كَثِيرَةٌ مِنْهَا الشَّفَاعَةُ لِتَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ) بِكِسْرَةِ الْهَمْزَةِ (وَالتَّوْلِيَةُ) لِلْأَوْقَافِ وَالْوَصَايَا (مُطْلَقًا) أَهْلًا أَوْ لَا (لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ طَلَبِهَا وَ) عَنْ (الشَّفَاعَةِ فِيهَا) وَعَنْ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَلَى رِوَايَةِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «مَنْ ابْتَغَى الْقَضَاءَ وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ وُكِّلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَوْ جُبِرَ عَلَيْهِ يَنْزِلُ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» .
(وَمِنْهَا) (الشَّفَاعَةُ لِلْإِمَامَةِ) فِي الصَّلَاةِ (لِمَنْ لَيْسَ أَهْلًا لَهَا) إمَّا بِسُوءِ الِاعْتِقَادِ كَأَهْلِ الْهَوَى أَوْ لِعَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الطَّهَارَةِ بِأَنْ لَا يُبَالِيَ بِالنَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ لِلصَّلَاةِ فِي الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ لِعَدَمِ وُصُولِ مَاءِ الطَّهَارَةِ لِلْأَعْضَاءِ الْوَاجِبِ تَطْهِيرُهَا أَوْ لِعَدَمِ قِرَاءَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فَإِذَا فُقِدَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَحَقَّقَتْ الْأَهْلِيَّةُ كَمَا ذَكَرَ الْمُحَشِّي وَكَذَا الشَّفَاعَةُ لِمَنْ لَا يُرَاعِي تَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ (أَوْ وُجِدَ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْهُ) كَالشَّفَاعَةِ لِمَنْ كَانَتْ إمَامَتُهُ مَكْرُوهَةً مِثْلِ الْفَاسِقِ وَالْأَعْرَابِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْعَبْدِ وَالْأَعْمَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute