للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَالسَّابِعُ: عَمَى الْقَلْبِ حَتَّى يَكَادَ لَا يَفْهَمُ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى) فَتَنْطَمِسُ بَصِيرَتُهُ وَتَعْمَى سَرِيرَتُهُ.

(قَالَ سُفْيَانُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَكُنْ حَاسِدًا تَكُنْ سَرِيعَ الْفَهْمِ) فِي كُلِّ حَقٍّ وَحُكْمٍ شَرْعِيٍّ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ عَنْ سُفْيَانَ عَلَيْك بِطُولِ الصَّمْتِ تَمْلِكُ الْوَرَعَ وَلَا تَكُنْ حَرِيصًا عَلَى الدُّنْيَا تَكُنْ حَافِظًا وَلَا تَكُنْ طَعَّانًا تَنْجُ مِنْ أَلْسُنِ النَّاسِ وَلَا تَكُنْ حَاسِدًا تَكُنْ سَرِيعَ الْفَهْمِ. (وَالثَّامِنُ الْحِرْمَانُ) مِنْ نَيْلِ الْمُرَادِ (وَالْخِذْلَانُ) عَدَمُ الْوُصُولِ إلَى الْأَمَانِي ضِدُّ التَّوْفِيقِ وَفُسِّرَ بِتَيْسِيرِ أَسْبَابِ الشَّرِّ وَالسُّوءِ (فَلَا يَكَادُ يَظْفَرُ بِمُرَادِهِ وَلَا يُنْصَرُ عَلَى عَدُوِّهِ) كَمَا قَالَ حَاتِمٌ الطَّعِينُ غَيْرُ ذِي دِينٍ وَالَعَائِبُ غَيْرُ عَابِدٍ وَالنَّمَّامُ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَالْحَسُودُ غَيْرُ مَنْصُورٍ قُلْت الْحَسُودُ كَيْفَ يَظْفَرُ بِمُرَادِهِ وَمُرَادُهُ زَوَالُ نِعَمِ اللَّهِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَيْفَ يُنْصَرُ عَلَى أَعْدَائِهِ وَهُمْ عِبَادُ اللَّهِ الْمُؤْمِنُونَ كَذَا فِي الْمِنْهَاجِ (فَلِذَا قِيلَ) الْقَائِلُ بَعْضُ السَّلَفِ، وَهَكَذَا فِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ فَمَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ حَدِيثٌ فَمَوْضُوعٌ كَمَا فِي مَوْضُوعَاتِ عَلِيٍّ الْقَارِئِ «الْحَسُودُ لَا يَسُودُ» أَيْ الْكَثِيرُ الْحَسَدِ لَا يَصِلُ إلَى مَرْتَبَةِ السِّيَادَةِ عَلَى أَحَدٍ أَصْلًا بَلْ حَالُهُ فِي انْخِفَاضٍ دَائِمًا وَأَمْرُهُ فِي نُقْصَانٍ فَلَا يَصِلُ إلَى مُرَادٍ وَمِنْ غَوَائِلِ الْحَسَدِ تَنْقِيصُ الْعُمْرِ.

قَالَ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ رَأَيْت أَعْرَابِيًّا أَتَى عَلَيْهِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً فَقُلْت مَا أَطْوَلَ عُمْرَك، فَقَالَ تَرَكْت الْحَسَدَ فَبَقِيت.

وَمِنْهَا الْإِفْضَاءُ إلَى ضَرْبِ أَعْمَالِهِ وَجْهَ صَاحِبِهِ قَالَ فِيهَا أَيْضًا وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ إنَّ فِي السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ مَلَكًا يَمُرُّ بِهِ عَمَلُ عَبْدٍ لَهُ ضَوْءٌ كَضَوْءِ الشَّمْسِ فَيَقُولُ قِفْ فَأَنَا مَلَكُ الْحَسَدِ أَضْرِبُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ حَاسِدٌ. وَمِنْهَا عَدَاوَةُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ لِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْدَاءً فَقِيلَ وَمَنْ ذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ يَحْسُدُونَ النَّاسَ. وَمِنْهَا الْإِفْضَاءُ إلَى لَعْنَةِ الْمَلَائِكَةِ وَغَضَبِهِمْ وَمِنْهَا شِدَّةُ الْمَوْتِ وَمِنْهَا الْفَضِيحَةُ وَالْعُقُوبَةُ فِي الْمَوْقِفِ» .

قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْحَاسِدُ لَا يَنَالُ مِنْ الْمَجَالِسِ إلَّا مَذَمَّةً وَذُلًّا وَلَا يَنَالُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إلَّا لَعْنَةً وَغَضَبًا وَلَا يَنَالُ مِنْ الْخَلْقِ إلَّا جَزَعًا وَغَمًّا وَلَا يَنَالُ عِنْدَ النَّزْعِ إلَّا شِدَّةً وَهَوْلًا وَلَا يَنَالُ عِنْدَ الْمَوْقِفِ إلَّا فَضِيحَةً وَنَكَالًا وَمِنْهَا عَدَمُ قَبُولِ دَعْوَةِ صَاحِبِهِ.

قَالَ أَبُو اللَّيْثِ يُقَالُ ثَلَاثَةٌ لَا تُسْتَجَابُ دَعَوْتهمْ آكِلُ الْحَرَامِ وَمِكْثَارُ الْغِيبَةِ وَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ غِلٌّ أَوْ حَسَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ. وَمِنْهَا مُبَارَزَةُ رَبِّهِ، عَنْ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ بَارَزَ الْحَاسِدُ رَبَّهُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهِ: الْأَوَّلُ قَدْ أَبْغَضَ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى غَيْرِهِ.

الثَّانِي سَخَطَ بِقِسْمَةِ رَبِّهِ.

الثَّالِثُ بَخِلَ بِفَضْلِهِ تَعَالَى.

الرَّابِعُ يُرِيدُ خِذْلَانَ مَنْ اخْتَارَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

الْخَامِسُ أَعَانَ إبْلِيسَ بَلْ صَارَ شَرِيكَهُ فِي صِفَةٍ خَاصَّةٍ صَارَ بِهَا كَإِبْلِيسَ وَهِيَ حَسَدُهُ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ التَّسْلِيمَةِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْغَوَائِلِ كَادَ أَنْ لَا يَتَنَاهَى كَمَا ذُكِرَ بَعْضُهَا هُنَا آنِفًا فِي ضِمْنِ الْكَلَامِ

[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِي الْعِلَاجِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ لِلْحَسَدِ]

(الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ) (فِي الْعِلَاجِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ) . (الْأَوَّلُ) أَيْ الْعِلْمِيُّ (أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْحَسَدَ ضَرَرٌ عَلَيْك فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ) كَمَا ذُكِرَ فِي الْغَوَائِلِ الْأُولَى تَقْدِيمُ الدِّينِ، فَإِمَّا لِوُجُودِهَا أَوَّلًا، أَوْ لِأَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا يَكْثُرُ خَوْفُهُمْ مِنْ دُنْيَاهُمْ أَوْ أَنَّ مُعْظَمَ سَبَبِهِ هُوَ الدُّنْيَا (وَأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَحْسُودِ فِيهِمَا) فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَمَا سَيَأْتِي وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى (بَلْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِيهِمَا أَمَّا ضَرَرُهُ لَك) أَيُّهَا الْحَاسِدُ (فِي الدِّينِ فَلِأَنَّك بِالْحَسَدِ سَخِطْت قَضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى) بِمَا أَعْطَاهُ لِلْمَحْسُودِ (وَكَرِهْت نِعْمَتَهُ الَّتِي قَسَمَهَا لِعِبَادِهِ) كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ (وَ) كَرِهْت (عَدْلَهُ) بِمَنْعِك مَا أَعْطَاهُ لِمَحْسُودِك (وَاسْتَنْكَرْت ذَلِكَ) الْفِعْلَ مِنْهُ تَعَالَى (وَغَشَشْت) غَشَّهُ غَشًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَالِاسْمُ غِشٌّ بِالْكَسْرِ لَمْ يَنْصَحْهُ وَزَيَّنَ لَهُ غَيْرَ الْمَصْلَحَةِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ (رَجُلًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَتَرَكْت نُصْحَهُ وَالْغِشُّ) الَّذِي صَدَرَ مِنْك بِحَسَدِك (حَرَامٌ) .

قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَنْ غَشَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>