فَلَيْسَ مِنَّا» .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ خَانَ يَعْنِي لَيْسَ عَلَى سُنَّتِنَا وَطَرِيقَتِنَا فِي مُنَاصَحَةِ الْإِخْوَانِ (وَالنَّصِيحَةُ وَاجِبَةٌ) وَفِي الْحَدِيثِ «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» . قَالَ فِي الْفَيْضِ أَيْ عِمَادُهُ وَقِوَامُهُ النَّصِيحَةُ عَلَى وَزْنِ الْحَجُّ عَرَفَةَ فَبُولِغَ فِي النَّصِيحَةِ حَتَّى جَعَلَ الدِّينَ كُلَّهُ إيَّاهَا. وَقِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ رُبْعُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَلْ هُوَ وَحْدَهُ فَلِذَا كَانَتْ النَّصِيحَةُ أَعْظَمَ وَصَايَا السَّلَفِ، وَظَاهِرُ الْخَبَرِ وُجُوبُ النُّصْحِ وَإِنْ عُلِمَ عَدَمُ فَائِدَتِهِ وَمَنْ قَبِلَ النَّصِيحَةَ أَمِنَ الْفَضِيحَةَ وَمَنْ أَبَى فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ وَأَيْضًا مِنْ ضَرَرِهِ الدِّينِيِّ أَنَّهُ مُفَارَقَةُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُشَارَكَةُ إبْلِيسَ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ فِي مَحَبَّتِهِمْ الْبَلَايَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَزَوَالِ النِّعَمِ وَأَنَّهُ يُبْطِلُ بِهِ حَسَنَاتِهِ ثُمَّ أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى الْمُصَنِّفُ هُنَا بِالْإِحَالَةِ عَلَى الْغَوَائِلِ لَكَانَ أَخْصَرَ لَعَلَّهُ أَرَادَ زِيَادَةَ تَفْصِيلٍ لِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ. (وَأَمَّا) ضَرَرُك (فِي الدُّنْيَا فَغَمٌّ وَحُزْنٌ وَضِيقُ نَفْسٍ) كَمَا عَرَفْت فِي الْغَوَائِلِ.
(وَأَمَّا أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَحْسُودِ فِيهِمَا) فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا (فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ لَا تَزُولُ عَنْهُ) أَيْ الْمَحْسُودِ (بِحَسَدِك وَلَا يَأْثَمُ بِهِ) بِالْحَسَدِ فَلَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ دُنْيَوِيٌّ أَوْ دِينِيٌّ (وَأَمَّا انْتِفَاعُهُ) أَيْ انْتِفَاعُ الْمَحْسُودِ مِنْ حَسَدِ الْحَاسِدِ (فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ أَنَّهُ مَظْلُومٌ مِنْ جِهَتِك) وَالْمَظْلُومُ مَأْجُورٌ وَدَعَوْته عَلَى ظَالِمِهِ مُجَابَةٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» كَمَا قِيلَ إنَّ دُعَاءَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ مُجَابٌ (لَا سِيَّمَا إذَا أَخْرَجَكَ الْحَسَدُ إلَى الْقَوْلِ) فِي عِرْضِهِ وَدِينِهِ وَإِلْحَاقِ الشَّيْنِ بِهِ (وَالْفِعْلِ بِالْغِيبَةِ لَهُ وَهَتْكِ سِتْرِهِ) بَيْنَ النَّاسِ (وَالْقَدْحِ فِيهِ وَنَحْوِهَا) كَالسِّعَايَاتِ الْبَاطِلَةِ إلَى الظَّلَمَةِ لِإِضْرَارِهِ مَالًا أَوْ بَدَنًا أَوْ عِرْضًا وَتَحْرِيكِ مُدَّعٍ عَلَيْهِ (فَهَذِهِ هَدَايَا تَهْدِيهَا إلَيْهِ فَيَنْتَفِعُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ) يَعْنِي أَنَّك بِذَلِكَ تَهْدِي إلَيْهِ حَسَنَاتِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنْ كَانَتْ وَأَلَّا يُحْمَلُ عَلَيْك وِزْرُهُ فَتُلْقَى فِي النَّارِ فَأَضَفْت لَهُ نِعْمَةً إلَى نِعْمَةٍ وَأَضَفْت لِنَفْسِك شَقَاوَةً إلَى شَقَاوَةٍ وَيَكُونُ نَظِيرُك كَمَنْ رَمَى إلَى عَدُوِّهِ حَجَرًا فَلَمْ يُصَبْ وَانْقَلَبَ إلَيْهِ وَأَعْمَى عَيْنَهُ.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ إنَّ فُلَانًا قَدْ اغْتَابَك فَبَعَثَ إلَيْهِ طَبَقًا مِنْ الرُّطَبِ وَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّك أَهْدَيْت إلَيَّ حَسَنَاتٍ فَأَرَدْت أَنْ أُكَافِئَك عَلَيْهَا فَاعْذُرْنِي فَإِنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُكَافِئَك بِهَا عَلَى التَّمَامِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. (وَأَمَّا) انْتِفَاعُهُ (فِي الدُّنْيَا فَلِأَنَّ أَهَمَّ أَغْرَاضِ الْخَلْقِ مَسَاءَةُ الْأَعْدَاءِ وَغَمُّهُمْ) قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ الْحَاسِدُ لَا يَخْلُو أَبَدًا مِنْ الْغَمِّ وَالْهَمِّ وَالْمِحْنَةِ إذْ لَا يَزَالُ أَعْدَاؤُهُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى وَلَا عَذَابَ أَعْظَمَ مِمَّا فِي الْحَاسِدِ مِنْ أَلَمِ الْحَسَدِ وَغَايَةُ أَمَانِي أَعْدَائِك أَنْ يَكُونُوا فِي نِعْمَةٍ وَأَنْتَ فِي غَمٍّ وَحَسْرَةٍ وَقَدْ فَعَلْت بِنَفْسِك مُرَادَهُمْ مِنْ فَرَحِ عَدُوِّك بِغَمِّك وَلَوْ عَلِمَ بِخَلَاصِك مِنْ أَلَمِ الْحَسَدِ لَكَانَ أَعْظَمَ مُصِيبَةً عِنْدَهُ فَإِذَنْ أَنْتَ عَدُوُّ نَفْسِك وَصِدِّيقُ عَدُوِّك إذْ قَدْ حَزِنْت وَخَسِرْت وَآثَرْت عَلَى عَدُوِّك إبْلِيسَ (وَالْعِلَاجُ الْعَمَلِيُّ أَنْ يُكَلِّفَ نَفْسَهُ نَقِيضَ مُقْتَضَاهُ) أَيْ نَقِيضِ الْحَسَدِ هُوَ النُّصْحُ (فَإِنْ بَعَثَهُ) أَيْ الْحَسَدُ الْحَاسِدَ (عَلَى الْقَدْحِ فِيهِ) بِاللِّسَانِ (كَلَّفَ لِسَانَهُ الْمَدْحَ لَهُ) وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ (وَإِنْ) بَعَثَهُ (عَلَى التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ) احْتِقَارًا لَهُ. (أَلْزَمَ نَفْسَهُ التَّوَاضُعَ لَهُ) عَمَلًا لَهَا بِنَقِيضِ مُرَادِهَا (وَالِاعْتِذَارَ إلَيْهِ) مِمَّا قَدْ يَبْدُو مِنْهُ (وَإِنْ) بَعَثَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute