للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ فَقَالَ فَرِّقْهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَفَرَّقَهُ فَلَمَّا كَانَ الْعِشَاءُ رَأَيْته فِي الْوَادِي يَطْلُبُ شَيْئًا لِنَفْسِهِ فَقُلْت لَوْ تَرَكْت لِنَفْسِك مِمَّا كَانَ مَعَك شَيْئًا فَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنِّي أَعِيشُ إلَى هَذَا الْوَقْتِ انْتَهَى كَلَامُ الْقُشَيْرِيَّةِ.

[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي الْإِسْرَاف]

(وَأَمَّا الْإِسْرَافُ) الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ (فَفِيهِ خَمْسَةُ مَبَاحِثَ.) (الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ) : (فِي ذَمِّهِ وَغَوَائِلِهِ) الثَّانِي فِي سَبَبِ مَذْمُومِيَّتِهِ.

الثَّالِثُ فِي أَصْنَافِهِ.

الرَّابِعُ فِي وُقُوعِهِ فِي الصَّدَقَةِ.

الْخَامِسُ فِي عِلَاجِهِ. (اعْلَمْ أَنَّ الْإِسْرَافَ حَرَامٌ قَطْعِيٌّ) لِثُبُوتِهِ بِقَطْعِيٍّ (وَمَرَضٌ قَلْبِيٌّ وَخُلُقٌ رَدِيءٌ) دَنِيءٌ (وَلَا تَظُنِّنَّ أَنَّهُ أَدْنَى كَثِيرًا) فِي الْقُبْحِ (مِنْ الْبُخْلِ) وَذَلِكَ الظَّنُّ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ (بِسَبَبِ كَثْرَةِ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّهِ بِخِلَافِ الْإِسْرَافِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ كَوْنِ أَكْثَرِ الطِّبَاعِ مَائِلَةً إلَى الْإِمْسَاكِ) عَنْ الْإِنْفَاقِ (فَاحْتَاجَ) الْإِمْسَاكُ لِذَلِكَ (إلَى كَثْرَةِ الرَّوَادِعِ) الزَّوَاجِرِ حَتَّى تَنْفِرَ مِنْهُ وَتَشْتَاقَ إلَى الْإِنْفَاقِ (كَمَا أَنَّ الْبَوْلَ فِي حُرْمَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ أَشَدُّ مِنْ الْخَمْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ) ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ تَرْتَفِعُ بِالِاسْتِخْلَالِ وَانْقِلَابِهِ خَلًّا بِخِلَافِ الْبَوْلِ (مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ) فِي الشَّرْعِ (مَا وَرَدَ فِي الْخَمْرِ، وَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ حَدٌّ) ؛ لِأَنَّ تَشَهِّيَ الطَّبْعِ وَمَيْلَهُ إلَى الْخَمْرِ اقْتَضَى كَثْرَةَ التَّأْكِيدِ وَالتَّكْرِيرِ فِي زَجْرِهِ إلَى أَنْ يُشْرَعَ الْحَدُّ، وَأَمَّا الْبَوْلُ فَلِكَوْنِ الطَّبْعِ فِي نَفْسِهِ نَافِرًا وَمُتَوَحِّشًا مِنْهُ لَمْ يَقْتَضِ مِثْلَ الْخَمْرِ مَعَ كَوْنِهِ فَوْقَهُ فِي الْحُرْمَةِ، وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ الرَّادِعُ الطَّبْعِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّادِعِ الشَّرْعِيِّ (وَحَسْبُك) أَيْ كَافِيك (فِي الْإِسْرَافِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ٣١] حَيْثُ عَلَّلَ الْإِسْرَافَ بِعَدَمِ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا شَيْءَ أَقْبَحُ مِمَّا يَمْنَعُ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى إذْ الْإِسْرَافُ مُوجِبُ نَفْيِ مَحَبَّتِهِ تَعَالَى وقَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: ٢٦] بِصَرْفِ مَالِك فِيمَا لَا يَنْبَغِي فَفِي تَأْكِيدِهِ بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَةٌ فِي النَّهْيِ {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: ٢٧] أَيْ أَمْثَالَهُمْ فِي الشَّرَارَةِ وَالْخَبَاثَةِ أَوْ أَحِبَّاءَ الشَّيَاطِينِ وَاتِّبَاعَهُمْ.

(وَأَخُو الشَّيْطَانِ شَيْطَانٌ) فَإِنَّ الْأُخُوَّةَ مِنْ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ فَانْظُرْ مَا فِي رُتْبَةِ الْأُخُوَّةِ الشَّيْطَانِيَّةِ، وَلَا شَيْءَ أَخْبَثُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ عَلَى الْآيَةِ الْأُولَى الْتِزَامًا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ مُطَابَقَةً الْكُفْرُ قُلْنَا الْمُرَادُ نَفْيُ الْمَحَبَّةِ الْكَامِلَةِ لَا أَصْلِهَا وَالْمُرَادُ الْأُخُوَّةُ فِي ارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ الْقَوِيَّةِ مُطْلَقًا لَا فِي الْكُفْرِ بَلْ أَنَّ بِاعْتِقَادِ حِلِّهِ يَكُونُ حَقِيقَةً أَوْ مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ فِي أَصْلِ مَعْنَى الشَّيْطَانِيَّةِ مِنْ بَعْدِ الْخَيْرِ أَوْ الْبَاطِلِ.

(وَلَا اسْمَ أَقْبَحُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلَا ذَمَّ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا) أَيْ الْأُخُوَّةِ الشَّيْطَانِيَّةِ فَقَطْ أَوْ مَعَ عَدَمِ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى (وَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ إيتَاءِ الْمُسْرِفِينَ أَمْوَالَهُمْ مُعَبِّرًا عَنْهُمْ بِاسْمٍ مِنْ أَقْبَحِ الْأَسْمَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>