للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: ٥] وَالْمَالُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِلسُّفَهَاءِ لَكِنْ لِكَوْنِهِ فِي تَصَرُّفِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْحُكَّامِ نُسِبَ إلَيْهِمْ مَجَازًا، وَقِيلَ نَهْيٌ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَعْمِدَ إلَى مَا خَوَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمَالِ فَيُعْطِي امْرَأَتَهُ، وَأَوْلَادَهُ ثُمَّ يَنْطُرُ إلَى أَيْدِيهِمْ ثُمَّ سَمَّاهُمْ سُفَهَاءَ اسْتِخْفَافًا بِعَقْلِهِمْ وَاسْتِهْجَانًا لِجَهْلِهِمْ لِجَعْلِهِمْ قُوَّامًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ قَالَهُ الْقَاضِي (وَذَمَّ فِرْعَوْنُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} [يونس: ٨٣] وَ) ذَمَّ (قَوْمَ لُوطٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف: ٨١] لَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ الْمُرَادُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا الْمَعْنَى الْمَطْلُوبَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ فَتَأَمَّلْهُ.

(وَوَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» بِإِنْفَاقِهِ فِي غَيْرِ مَا شُرِعَ لَهُ (وَيَكْفِي الْعَاقِلَ) فِي كَمَالِ قُبْحِهِ وَالِانْزِجَارِ عَنْهُ (مَا خَرَّجَهُ ت عَنْ أَبِي بَرْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ» عَنْ مَوْقِفِهِ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ «يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَلَا يَذْهَبُ لِجَنَّةٍ أَوْ نَارٍ «حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ» فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَمَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَالْقِيَاسُ كَوْنُ الْأَلِفِ مَحْذُوفَةً، وَلَكِنَّ الرَّاوِيَةَ وُجِدَتْ هَكَذَا، وَأَبْقَاهَا الْمُحَدِّثُونَ عَلَى حَالِهَا.

وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طُوبَى لِمَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ» «، وَعَنْ عِلْمِهِ مَا عَمِلَ بِهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ» مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَامٍ «، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ» فِي طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ «، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ» أَيْ أَفْنَاهُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ أَوْ فِي مَعْصِيَتِهِ، وَفِي رِضَا رَبِّهِ أَوْ هَوَى نَفْسِهِ لَا بُدَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ مِنْ تَأَمُّلٍ ثُمَّ لَعَلَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ عَامٍّ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ، وَإِلَّا فَنَحْوُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ» يُعَارِضُهُ فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ لِكُلِّ سَالِكٍ أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ لِيَخِفَّ حِسَابُهُ وَيَسْهُلَ جَوَابُهُ فَإِنَّ كُلَّ آنٍ مِنْ آنَاءِ الْعُمُرِ جَوْهَرٌ لَا قِيمَةَ لَهُ لِكَوْنِهِ أَصْلَ مَالِ بِضَاعَةِ النِّعَمِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ فَلَوْ ضَاعَ دَقِيقَةٌ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا، وَلَوْ جَمَعَ الْمُلُوكُ عَسَاكِرَهُمْ وَبَذَلُوا خَزَائِنَهُمْ وَصَرَفُوا وُسْعَهُمْ، وَأَنَّ لِكُلِّ وَقْتٍ وَظِيفَةً فَلَوْ تُرِكَ وَظِيفَةُ هَذَا لَا يُوجَدُ وَقْتٌ خَالٍ حَتَّى يُقْضَى فِيهِ فَالِاهْتِمَامُ بِهِ لَيْسَ كَالِاهْتِمَامِ بِأَشْرَفِ مَتَاعِ الدُّنْيَا كَالدَّنَانِيرِ فَالْعَاقِلُ لَا يُخْرِجُ دَقِيقَةً مِنْ عُمُرِهِ بِلَا طَاعَةٍ كَمَا فِي حَدِيثِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إلَّا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا فَكُلُّ حَرَكَةٍ ظَهَرَتْ مِنْك بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَهِيَ عَلَيْك لَا لَك فَأَدْوَمُ النَّاسِ عَلَى الذِّكْرِ أَوْفَرُهُمْ حَظًّا، وَأَرْفَعُهُمْ دَرَجَةً، وَأَشْرَفُهُمْ مَنْزِلَةً ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنْ الذِّكْرِ مُطْلَقُ مَا يَذْكُرُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَيِّ طَاعَةٍ وَحَسَنَةٍ.

(وَمِنْ الدَّلَائِلِ) الدَّالَّةِ (عَلَى مَذْمُومِيَّتِهِ) أَيْ الْإِسْرَافِ (جِدًّا حُرْمَةُ الرِّبَا الَّذِي هُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ) لَا يَخْفَى أَنَّ أَدِلَّةَ الْإِسْرَافِ فِي النُّصُوصِ أَظْهَرُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْحُرْمَةِ، وَأَكْثَرُ فِي التَّكَرُّرِ، وَقَدْ قَالُوا لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ ثُبُوتِ الْأَكْبَرِ لِلْأَوْسَطِ وَكَذَا ثُبُوتُ الْأَوْسَطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>