(وَيَضْرِبُهُ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ مَوْلَاهُ وَتَقَرُّبًا لَهُ بِهِ) بِالضَّرْبِ (بِلَا تَكَبُّرٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَلَدِ (بَلْ هُوَ مُتَوَاضِعٌ لَهُ) لِلْوَلَدِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَلِكَ إمَّا أَمَرَ بِالتَّكَبُّرِ صَرِيحًا أَوْ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الْتِزَامًا وَلَيْسَ بِمَعْقُولٍ أَنْ يُحَصِّلَ الْمَقْصُودُ مَعَ تَوَاضُعِهِ لِلْوَلَدِ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالضَّرْبِ لَا يَأْمُرُ بِالتَّوَاضُعِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ إذْ نَهْيُهُ تَعَالَى عَنْ التَّكَبُّرِ وَأَمْرُهُ بِالتَّوَاضُعِ عِنْدَ بُغْضِ الْمُبْتَدِعِ وَالْكَافِرِ (يَرَى قَدْرَهُ) أَيْ قَدْرَ الْوَلَدِ عِنْدَ مَوْلَاهُ فَوْقَ قَدْرِ نَفْسِهِ لَكِنْ لَا يَرَى قَدْرَ الْمُبْتَدِعِ وَالْكَافِرِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَوْقَ قَدْرِهِ سِيَّمَا حَالًا، وَأَمَّا الْخَاتِمَةُ فَأَمْرٌ احْتِمَالِيٌّ يَنْدُرُ وُقُوعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ قَالُوا الْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ الشَّائِعِ لَا لِلنَّادِرِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْكِفَايَةِ.
(فَكَذَلِكَ عَلَيْك أَنْ تَنْظُرَ إلَى الْمُبْتَدِعِ وَالْفَاسِقِ وَتَقُولَ رُبَّمَا كَانَ قَدْرُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمَ) مِنِّي فِي الْآخِرَةِ (لِمَا سَبَقَ) فِي عِلْمِهِ تَعَالَى (لَهُمَا مِنْ حُسْنِ الْعَاقِبَةِ فِي الْأَزَلِ وَلِمَا سَبَقَ لِي مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ فِيهِ وَ) الْحَالُ (أَنَا غَافِلٌ عَنْهُ فَتَغْضَبُ وَتُنْهِي لِحُكْمِ الْأَمْرِ مَحَبَّةً لِمَوْلَاك إذْ جَرَى مَا يَكْرَهُهُ تَعَالَى) مِنْ الْبِدْعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ (مَعَ التَّوَاضُعِ لِمَنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ مِنْك عِنْدَهُ فِي الْآخِرَةِ) فَهَكَذَا بُغْضُ الْعُلَمَاءِ الْأَكْيَاسِ فَيُضَمُّ إلَيْهِ الْخَوْفُ وَالتَّوَاضُعُ وَأَمَّا الْغُرُورُ فَإِنَّهُ يَتَكَبَّرُ وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَرْجُو لِغَيْرِهِ مَعَ جَهْلِهِ بِالْعَاقِبَةِ فَهَذَا سَبِيلُ التَّوَاضُعِ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَاعْتَقَدَ الْبِدْعَةَ مَعَ الْغَضَبِ عَلَيْهِ وَمُجَانَبَتِهِ لِحُكْمِ الْأَمْرِ.
[وَالثَّانِي مِنْ الْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ لِلْكِبْرِ الْعِبَادَةُ وَالْوَرَعُ]
(وَالثَّانِي) مِنْ الْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ لِلْكِبْرِ (الْعِبَادَةُ وَالْوَرَعُ) وَذَلِكَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى الْعِبَادِ وَلَا يَخْلُو عَنْ رَذِيلَةِ الْكِبْرِ وَاسْتِمَالَةِ قُلُوبِ النَّاسِ وَالزُّهَّادِ (فَإِنَّ الْعَابِدَ الْوَرِعَ قَدْ يَتَكَبَّرُ عَلَى الْفَاسِقِ، بَلْ عَلَى مَنْ لَا يَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِهِ مِنْ النَّوَافِلِ) وَسَائِرِ الْفَضَائِلِ (وَ) مِنْ (الِاحْتِرَازِ عَنْ الشُّبُهَاتِ وَفُضُولِ الْحَلَالِ وَهَذَا) أَيْ التَّكَبُّرُ بِهَذَيْنِ (أَيْضًا) كَالتَّكَبُّرِ بِالْعِلْمِ مَذْمُومٌ نَاشِئٌ (مِنْ الْجَهْلِ) قِيلَ الْعَالِمُ الْعَامِلُ إنَّمَا هُوَ الْمُتَوَاضِعُ ثُمَّ إنَّك هَلْ تَكُونُ أَعْبَدَ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ هُمْ مُتَوَاضِعُونَ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ وَقَدْ مُثِّلَ الْعَالِمُ الْغَيْرُ الْعَامِلُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ دَائِمًا وَبِحِمَارٍ يَحْمِلُ أَسْفَارًا فَأَيُّ خِزْيٍ أَعْظَمُ مِنْ التَّمْثِيلِ بِهِمَا وَأَيُّ عِتَابٍ أَشْنَعُ مِنْهُ.
(فَعِلَاجُهُ أَيْضًا) كَالْعِلْمِ (مَعْرِفَتَانِ مَعْرِفَةُ أَنَّ فَضْلَ الْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ إنَّمَا يَكُونُ بِاسْتِجْمَاعِهِمَا) أَيْ الْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ (الشَّرَائِطَ) الَّتِي يَتَوَقَّفَانِ عَلَيْهَا شَرَائِطُ الْأَوَّلِ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْهِيَّةِ وَشَرَائِطُ الثَّانِي فِي كُتُبِ التَّصَوُّفِ (وَالْأَرْكَانَ) الَّتِي كَانَتْ فِي أَجْزَاءِ الْعِبَادَةِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُرَاعِ أَنَّ جُزْءًا أَصْلِيًّا لَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ رَأْسًا وَأَنَّ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْمُكَمِّلَةِ لَا تَصِحُّ كَمَالًا وَلَا كَذَا الشَّرَائِطُ، أَمَّا الْعِبَادَةُ فَكَالصَّلَاةِ الَّتِي شَرَائِطُهَا وَأَرْكَانُهَا وَمُرَاعَاتُهَا أَصْلًا وَكَمَالًا بِمُرَاعَاةِ وَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وَمُسْتَحَبَّاتِهَا وَفَضَائِلِهَا وَمُكَمِّلَاتِهَا الَّتِي حُرِّرَتْ فِي مَحَلِّهَا، وَأَمَّا الْوَرَعُ فَبَحْرٌ عَمِيقٌ وَحِمْلٌ ثَقِيلٌ وَفِعْلٌ صَعْبٌ وَأَمْرٌ ذُو تَعَبٍ فَحُصُولُهُ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا عَقْلًا لَكِنْ فَكَالْمُحَالِ عَادَةً فَلَا يَجْرُؤُ عَلَى دَعْوَى حُصُولِهِ عَاقِلٌ إلَّا مُتَعَصِّبٌ جَاهِلٌ؛ إذْ الْوَرَعُ عَلَى مَا فِي الْقُشَيْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ الْوَرَعُ تَرْكُ كُلِّ شُبْهَةٍ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِيك تَرْكُ الْفَضَلَاتِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute