قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ هَذَا أَقْوَى دِرَايَةً لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لَهُ بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ فِيهَا فَلَا تَجُوزُ الْإِجَابَةُ لِمُنْكَرٍ (وَيُخَالِفُهُ) أَيْ مَا فِي التتارخانية (فِي الرَّدِّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ هَلْ يَجِبُ الرَّدُّ تَكَلَّمُوا فِيهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ وَقْتَ الْخُطْبَةِ انْتَهَى) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِ (وَ) يُخَالِفُهُ أَيْضًا فِي الرَّدِّ (مَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ قَالَ وَاخْتَارَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ هَكَذَا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) قِيلَ وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى دِرَايَةً أَقُولُ لِمَا عَرَفْت آنِفًا وَلِصِحَّةِ الْمُقَايَسَةِ عَلَى وَقْتِ الْخُطْبَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوُجُوبِ وَلِاتِّحَادِ دَلِيلِهِمَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] وَسَبَبُ النُّزُولِ لَا يَكُونُ مُرَجِّحًا عِنْدَنَا نَعَمْ يُرَجِّحُ فِي الْمَسَائِلِ النَّقْلِيَّةِ بِقُوَّةِ الْقَائِلِ وَوَثَاقَتِهِ وَفَقَاهَتِهِ فَتَأَمَّلْ (بِخِلَافِ السَّلَامِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ اهـ) فَإِنَّهُ حَرَامٌ اتِّفَاقًا وَفِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ وَالْقِرَاءَةُ جَهْرًا أَفْضَلُ إلَّا عِنْدَ الْمُشْتَغِلِ بِالْعَمَلِ أَوْ الْكَلَامِ، صَبِيٌّ افْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ افْتَتَحَ مَنْ عِنْدَهُ الْكَلَامَ أَوْ الْفِقْهَ أَوْ عَمَلَ الْكِتَابَةِ أَوْ الدُّنْيَا يَأْثَمُ لِتَرْكِ الِاسْتِمَاعِ وَإِنْ افْتَتَحَ الْكَلَامَ أَوَّلًا أَوْ غَيْرَهُ ثُمَّ افْتَتَحَ الصَّبِيُّ الْقِرَاءَةَ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الِاسْتِمَاعِ وَمَنْ يَكْتُبُ الْفِقْهَ أَوْ يُكَرِّرُهُ وَعِنْدَهُ آخَرُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الِاسْتِمَاعِ بَلْ الْإِثْمُ عَلَى الْقَارِئِ فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ وَعْظٌ وَقِرَاءَةٌ فَاسْتِمَاعُ الْوَعْظِ أَوْلَى وَكُرِهَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ جَمَاعَةٌ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ الْمَأْمُورِ بِهِمَا وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بَأْسَ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى قِرَاءَةِ الْإِخْلَاصِ جَهْرًا عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَ وَاحِدٌ وَيَسْتَمِعَ الْبَاقُونَ وَإِنْ كَانَ الْقَارِئُ وَاحِدًا يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ عَلَى الْمَارِّينَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَقَعُ الْخَلَلُ فِي الِاسْتِمَاعِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ الِاسْتِمَاعُ إمَامٌ قَرَأَ مَعَ الْجَمَاعَةِ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآخِرَ الْبَقَرَةِ وَشَهِدَ اللَّهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ جَهْرًا كُلَّ غَدَاةٍ قِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ وَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ. اهـ.
[الْأَرْبَعُونَ كَلَامُ الدُّنْيَا فِي الْمَسَاجِدِ]
(الْأَرْبَعُونَ كَلَامُ الدُّنْيَا فِي الْمَسَاجِدِ) فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ (بِلَا عُذْرٍ) كَالْمُعْتَكِفِ يَتَكَلَّمُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ اللَّازِمَةِ (فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَمَا قِيلَ وَقِيلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ الْجَبَّانَةُ وَمُصَلَّى الْجِنَازَةِ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسَاجِدِ عِنْدَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً وَلَيْسَ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَتَّى فِي الْمُرُورِ وَحُرْمَةِ الدُّخُولِ لِلْجُنُبِ وَفِنَاءُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً وَلَا الْمَسْجِدُ مَلْآنَ اهـ وَأَمَّا فِي حَقِّ جَوَازِ دُخُولِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فَلَيْسَ لِلْفِنَاءِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَاخْتَارَ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ الْمَدْرَسَةَ إذَا كَانَ لَا يَمْنَعُ أَهْلُهَا النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهَا فَهِيَ مَسْجِدٌ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ قِيلَ ظَاهِرُ هَذَا جَوَازُ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ فِي الْجَبَّانَةِ وَمُصَلَّى الْجِنَازَةِ وَفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مَا اتَّصَلَ بِهِ لِأَجْلِ مَصَالِحِهِ وَفِي الْمَدْرَسَةِ الَّتِي يَمْنَعُ أَهْلُهَا النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا لِعَدَمِ كَوْنِهَا مَسْجِدًا وَلَوْ كَانَ فِيهَا مِحْرَابٌ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِلتَّدْرِيسِ لَا لِلصَّلَاةِ
وَالْعُرْفُ يَقْضِي بِذَلِكَ وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْمَوَاضِعِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ لَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ (حب عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَكُونُ حَدِيثُهُمْ» الدُّنْيَوِيُّ «فِي مَسَاجِدِهِمْ» الْمَوْضُوعَةِ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى رَفَّعُوهَا عَنْ كَلَامِ الدُّنْيَا مَعَ أَنَّهَا مَأْوَى الشَّيَاطِينِ وَمَسَاكِنُ أَهْلِ الدِّينِ الْبَاطِلِ وَالْعِبَادَةِ الْبَاطِلَةِ فَكَيْفَ أَهْلُ الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالدِّينِ الْحَقِّ وَهُمْ يَقْرَءُونَ قَوْله تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: ٣٦] «لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ» لَا يُرِيدُ بِهِمْ خَيْرًا وَلَا يَصْلُحُونَ لِمَقَامِ قُرْبِهِ وَمَشْهَدِ أُنْسِهِ فِي حَضْرَةِ قُدْسِهِ وَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ الْخَيْبَةِ وَالْحِرْمَانِ وَالْإِهَانَةِ وَالْخُسْرَانِ وَعَنْ أَسْنَى الْمَقَاصِدِ لِابْنِ عَلْوَانَ الْحَمَوِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى قَوْمٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ وَلَا وُضُوءَ لَهُمْ وَلَا صَلَاةَ لَهُمْ وَلَا زَكَاةَ لَهُمْ وَلَا حَجَّ لَهُمْ وَلَا إيمَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute