للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسِ ذُنُوبًا أَكْثَرُهُمْ كَلَامًا فِيمَا لَا يَعْنِي» وَوَجْهُهُ) أَيْ وَجْهُ كَوْنِ ذُنُوبِ مَنْ تَكَلُّمُهُ فِيمَا لَا يَعْنِي أَكْثَرُ مِنْ ذُنُوبِ سَائِرِ النَّاسِ مَعَ أَنَّ التَّكَلُّمَ فِيهِ مُبَاحٌ (أَنَّهُ يَجُرُّهُ غَالِبًا إلَى مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْكَذِبِ وَالْغَيْبَةِ وَنَحْوِهِمَا) مِمَّا يَنْشَأُ مِنْ كَثْرَةِ الْكَلَامِ وَقَدْ عَرَفْت مِرَارًا أَنَّ الْوَسَائِلَ قَدْ تَكُونُ أَحْكَامَ الْمَقَاصِدِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَلَا أُعْلِمُكَ بِعَمَلٍ خَفِيفٍ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلٍ فِي الْمِيزَانِ فَقُلْت بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الصَّمْتُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِيك»

وَفِي تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ إذَا رَأَيْت قَسَاوَةً فِي قَلْبِك وَوَهْنًا فِي بَدَنِك وَحِرْمَانًا فِي رِزْقِك فَاعْلَمْ بِأَنَّك تَكَلَّمْت بِمَا لَا يَعْنِيكَ» وَقَدْ مَرَّ وَضْعُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَجَرًا فِي فَمِهِ سِنِينَ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ قِيلَ فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ تَرْكَ مَا لَا يَعْنِيهِ مِنْ أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ وَأَكْثَرِ الْمَثُوبَاتِ وَأَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ.

[السَّادِسُ آخِرُ الْمَبَاحِثِ فُضُولُ الْكَلَامِ]

(وَالسَّادِسُ) آخِرُ الْمَبَاحِثِ (فُضُولُ الْكَلَامِ وَهُوَ) التَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الْعِلْمِيَّةِ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَمْعٍ بَلْ مَصْدَرٌ كَدُخُولِ (الزِّيَادَةِ فِيمَا لَا يَعْنِي) دِينًا أَوْ دُنْيَا (عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ) فَإِذَا أَمْكَنَ أَدَاءُ الْمَرَامِ بِكَلِمَةٍ قَلِيلَةٍ فَأَتَى بِزِيَادَةٍ فَالزِّيَادَةُ مِنْ قَبِيلِ الْفُضُولِ (وَلَيْسَ مِنْهُ التَّفْصِيلُ فِي الْمَسَائِلِ الْمُشْكِلَةِ) لِإِيضَاحِهَا وَدَفْعِ احْتِمَالَاتِهَا (خُصُوصًا لِلْأَفْهَامِ الْقَاصِرَةِ وَالتَّكْرَارُ فِي الْعِظَةِ) مِنْ الْوَعْظِ (وَالتَّذْكِيرِ وَالتَّعْلِيمِ) وَالتَّدْرِيسِ فَإِنَّ الْمُدَرِّسَ يُقَرِّرُ وَيُكَرِّرُ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْمُتَعَلِّمِ مُبْتَدِيًا أَوْ مُنْتَهِيًا وَعَلَى كَوْنِ الْمَقَامِ خَفِيًّا وَوَاضِحًا وَعَلَى حَسَبِ تَفَطُّنِ الْمُتَعَلِّمِ وَغَبَاوَتِهِ كَمَا قِيلَ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ وَلِكُلِّ مَيْدَانٍ رِجَالٌ وَكَلِّمْ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ (وَالتَّعَلُّمِ) فِي كَوْنِهِ مِنْ الْمَقَامِ خَفَاءً إلَّا أَنْ يُرَادَ مَعْنَى الْمُتَعَلِّمِ (وَنَحْوِهَا) وَفِي الشِّرْعَةِ وَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ فَصِيحٍ دُونَ مُبْهَمِهِ وَيُرَتِّلُ الْكَلَامَ تَرْتِيلًا أَيْ يُبَيِّنُ وَقَدْ كَانَ كَلَامُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِيَانًا بَيَانًا يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ وَلَوْ عَدَّهُ عَادٌّ لَأَحْصَاهُ وَيَفْهَمُ السَّامِعُ كَلَامَهُ فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلَاثًا وَإِذَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ ثَلَاثًا وَيُسَاهِلُ فِي كَلَامِهِ وَيَتَسَاهَلُ وَلَا يَتَكَلَّفُ النَّظْمَ وَلَا السَّجْعَ (لِأَنَّهُ لِلْحَاجَةِ وَفِيمَا لَا حَاجَةَ فِيهِ يُسْتَحَبُّ الْإِيجَازُ وَالِاخْتِصَارُ) عَلَى قَدْرِ إفَادَةِ الْمَرَامِ فَلَا يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ مُخِلٍّ لِفَهْمِهِ كَالتَّعْمِيَةِ وَاللُّغْزِ (وَقَدْ سَبَقَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ حَدِيثَا عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ) أَنَّهُ قَالَ «تَكَلَّمَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكْثَرَ فَقَالَ كَمْ دُونَ لِسَانِك مِنْ حِجَابٍ فَقَالَ شَفَتَايَ وَأَسْنَانِي فَقَالَ أَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَا يَرُدُّ كَلَامَك» (وَ) حَدِيثُ (أَنَسٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «طُوبَى لِمَنْ أَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ كَلَامِهِ وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ» (فَتَذَكَّرْ) وَرَوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>