للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْتِفَاتُهُمْ إلَيْهِ بَلْ اللَّائِقُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَسْتَفِيدَ الرَّجُلُ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَكْمَلُ مِنْهُ وَيَنْتَفِعُ مِنْ عُلُومِهِ وَنَصَائِحِهِ وَأَخْلَاقِهِ وَسَيْرِهِ (نَعَمْ لَا بَأْسَ) قِيلَ كَلِمَةٌ تُقَالُ فِي نَفْيِ بَأْسِ مَا يُتَوَهَّمُ ثُبُوتُهُ فِيهِ فَهِيَ لِلْإِبَاحَةِ (بِالْغِبْطَةِ) تَمَّنِي حُصُولِ مِثْلِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ لَهُ بِلَا زَوَالٍ عَنْهُ قِيلَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ الْغَلَبَةِ أَيْضًا لِئَلَّا تَتَعَوَّدَ النَّفْسُ الْحَسَدَ وَجْهُ الْإِشَارَةِ مُسْتَفَادٌ مِمَّا يُقَالُ كَلِمَةُ لَا بَأْسَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى لَكِنْ قَدْ عَرَفْت اسْتِعْمَالَهَا لَيْسَ بِكُلِّيٍّ، وَأَنَّ أَوْلَوِيَّةَ التَّرْكِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ.

(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ عَلَامَاتِ الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ الْمُخْتَصَّةِ (أَنَّ الْأَكَابِرَ) مِنْ نَحْوِ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ (إذَا حَضَرُوا مَجْلِسَهُ) وَعْظًا أَوْ دَرْسًا بَلْ صُحْبَةً أَيْضًا (يُغَيِّرُ كَلَامَهُ) بِالْعِبَارَاتِ الْبَلِيغَةِ وَالْأَدَاءِ الْحَسَنِ (عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ) قَبْلَ الْحُضُورِ (تَصَنُّعًا) تَكَلُّفًا فِي صُنْعِ الْكَلَامِ (وَاسْتِمَالَةً) طَلَبَ الْمَيْلِ (لِقُلُوبِهِمْ) وَأَيْضًا يَزِيدُ وَيَنْقُصُ عَلَى مَا أَرَادَهُ قَبْلُ فَهَذَا رِيَاءٌ (نَعَمْ لَوْ زَادَ) بَعْدَ حُضُورِهِمْ (مَا يَتَعَلَّقُ بِإِصْلَاحِهِمْ) مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ وَالْقَصَصِ وَالْمَوَاعِظِ دِينِيَّةً أَوْ دُنْيَوِيَّةً (بِلُطْفٍ وَرِفْقٍ) لَعَلَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى - {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ٧٣]- وَنَحْوُهُ (لِيَسْتَدْرِجَهُمْ) بِذَلِكَ الرِّفْقِ (إلَى التَّوْبَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: ١٥٩] وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ اللِّينَةَ وَالرِّفْقَ مُوجِبَةٌ لِلْأُلْفَةِ وَالْقَبُولِ كَمَا أَنَّ الْغِلْظَةَ وَالشِّدَّةَ مُوجِبَةٌ لِلتَّفْرِقَةِ وَالْعِنَادِ وَالْغَيْرَةِ (وَالصَّلَاحُ) مِنْ سُوءِ الْحَالِ إلَى حُسْنِ الْحَالِ (لِحُسْنِ ذَلِكَ) لِعَاقِبَتِهِ الْحَمِيدَةِ مَعَ خَالِصِ النِّيَّةِ (وَلَكِنْ مَحَلُّ تَلْبِيسٍ) فَلْيَكُنْ عَلَى بَصِيرَةٍ لِقُوَّةِ خَفَائِهِ (فَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ) الْأَمْرُ وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ الْحَالُ (فَلْيَنْظُرْ إلَى الْخَلْقِ) كُلِّهِمْ (بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ) فَيَسْتَوِي عِنْدَهُ الْجَمِيعُ فَلَا يُمَيِّزُ غَنِيًّا لِغِنَاهُ وَكَبِيرًا لِكِبَرِهِ بَلْ يُعَامِلُهُمَا كَالْفَقِيرِ وَالصَّغِيرِ لَكِنْ كُلُّ ذَلِكَ أُمُورٌ وِجْدَانِيَّةٌ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا صَاحِبُهَا إلَّا بِعَلَامَاتٍ ظَاهِرَةٍ وَأَدِلَّةٍ دَالَّةٍ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ سُوءَ ظَنٍّ بِمُسْلِمٍ بَلْ إرْشَادٌ وَنَصِيحَةٌ وَحِفْظٌ وَمُحَافَظَةٌ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ بِالْحَمْلِ عَلَى إطْلَاقِهِ

[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ الرِّيَاءِ]

الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ مِنْ السَّبْعَةِ فِي أَحْكَامِ الرِّيَاءِ

(الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ) مِنْ السَّبْعَةِ (فِي أَحْكَامِ الرِّيَاءِ) مَا هُوَ مَذْمُومٌ أَوْ غَيْرُ مَذْمُومٍ وَمَرْتَبَتُهُ فِي الذَّمِّ (اعْلَمْ أَنَّ الرِّيَاءَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا) كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ سَابِقًا كَالشَّجَاعَةِ وَالْحَذَاقَةِ فِي نَحْوِ الْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا وُضِعَ لِعَمَلِ الدُّنْيَا (لَا يَحْرُمُ إنْ خَلَا عَنْ التَّلْبِيسِ) بِأَنْ يُظْهِرَ الشَّجَاعَةَ فِي أَمْرٍ وَلَيْسَ لَهُ شَجَاعَةٌ فِي الْوَاقِعِ فَقَوْلُهُ (وَالتَّزْوِيرُ) كَعَطْفِ التَّفْسِيرِ أَوْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِلْوَاقِعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ هُوَ الْحُرْمَةُ عِنْدَ عَدَمِ الْخُلُوِّ عَنْ التَّلْبِيسِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَوْنَ إظْهَارِ نَحْوِ الشَّجَاعَةِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ شَجَاعَةٌ حَرَامًا بَعِيدٌ وَإِرَادَةُ الْكَرَاهَةِ مِنْ الْحُرْمَةِ لَا يَصِحُّ فِي هَذَا السَّوْقِ (وَلَمْ يَتَوَسَّلْ بِهِ إلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ) تَحْرِيمًا فَقَطْ وَمَنْ عَمَّمَ إلَى الْكَرَاهَةِ أَيْضًا فَقَدْ غَفَلَ عَمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَفْهُومُ الْمَقَامِ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَسَائِلِ تَابِعٌ لِحُكْمِ الْمَقَاصِدِ فَالْحَرَامُ مَا يَكُونُ وَسِيلَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>