للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى الْحَرَامِ لَا إلَى الْمَكْرُوهِ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا (وَلَكِنْ) حِينَئِذٍ (إنْ كَانَ) هَذَا الرِّيَاءُ (لِلْحَظِّ الْعَاجِلِ) أَيْ الدُّنْيَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا} [الإنسان: ٢٧] نَحْوُ تَحْصِيلِ الْأَمْوَالِ وَالْجَاهِ لِمُجَرَّدِ التَّلَذُّذِ (فَمَذْمُومٌ) مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا لِقِصَرِ هِمَّتِهِ عَلَى الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ الْفَانِيَةِ سَرِيعَةِ الزَّوَالِ، لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي كَرَاهَةَ نَفْسِ الْحَظِّ الْعَاجِلِ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّك قَدْ عَرَفْت أَنَّ حُكْمَ الْوَسَائِلِ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْمَقَاصِدِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُجَرَّدَ الدُّنْيَا إذَا خَلَا عَنْ الْمَوَانِعِ وَسَلِمَ مِنْ الْعَوَارِضِ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا بَلْ الظَّاهِرُ إبَاحَتُهُ

وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ السَّوْقِ أَنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ كَذَلِكَ وَعَدَمُ إرَادَةِ الْكَرَاهَةِ مِنْ الْمَذْمُومِ يَقْتَضِي أَنْ يُوجَدَ قِسْمٌ فَوْقَ الْمُبَاحِ وَتَحْتَ الْكَرَاهَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ حِينَئِذٍ أَيْضًا قِيلَ هُنَا فِي إثْبَاتِ هَذَا الْمَطْلُوبِ قَالَ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: ١٨]- ثُمَّ قَالَ: فَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِ وَجْهِ اللَّهِ فَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ، لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَطْلَبَ هُوَ الْمَذْمُومِيَّةُ تَحْتَ الْحُرْمَةِ فَيَكُونُ هُوَ الْكَرَاهَةَ كَمَا بَيَّنَ وَاللَّازِمُ مِنْ الدَّلِيلِ هُوَ الْحُرْمَةُ بَلْ الْخُلُودُ فِيهَا وَأَيْضًا قِيلَ هُنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص: ١٦] وَهُوَ أَيْضًا كَمَا تَرَى، بَلْ نَفْسُهُ هُوَ صَرَّحَ كَوْنَهُ فِي حَقِّ الْكَافِرِينَ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِي وَجْهِ الِاحْتِجَاجِ إنَّ إيثَارَ الْعَاجِلَةِ عَلَى الْآجِلَةِ إنَّمَا هُوَ حَالُ أَهْلِ النَّارِ فَفِيهِ أَيْضًا مَا عَرَفْت (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ وَسِيلَةً إلَى عَمَلِ الْآخِرَةِ كَإِظْهَارِ الشَّجَاعَةِ لِيَتَوَصَّلَ إلَى إمَارَةٍ يُنَفِّذُ بِهَا حُدُودَ الشَّرْعِ وَيَرْفَعُ الْبِدْعَاتِ وَالْمُنْكَرَاتِ (فَمُسْتَحَبٌّ لِمَا بَيَّنَّا فِي حُبِّ الرِّيَاسَةِ) مِنْ أَنَّ التَّوَسُّلَ بِهِ إلَى أَخْذِ الْحَقِّ وَتَحْصِيلِ الْمَرَامِ الْمُسْتَحَبِّ، أَوْ الْمُبَاحِ أَوْ دَفْعِ الظُّلْمِ وَالشَّوَاغِلِ وَالتَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ، أَوْ إلَى تَنْفِيذِ الْحَقِّ وَإِعْزَازِ الدَّيْنِ وَإِصْلَاحِ الْخَلْقِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ إنْ خَلَا عَنْ الْمَحْظُورِ كَالرِّيَاءِ وَالتَّلْبِيسِ وَتَرْكِ الْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ فَجَائِزٌ، بَلْ مُسْتَحَبٌّ قِيلَ: وَأَرَادَ بِالرِّيَاءِ هُنَاكَ الرِّيَاءَ الْمُتَوَسَّلَ بِهِ إلَى مَنْهِيٍّ بِقَرِينَةِ قَيْدِ الْحُضُورِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ هُنَا مُسْتَحَبًّا.

(وَأَمَّا الرِّيَاءُ فِي الْعِبَادَةِ) الَّتِي كَانَتْ مَشْرُوعِيَّتُهَا لِمُجَرَّدِ تَعْظِيمِ اللَّهِ وَتَحْصِيلِ رِضَاهُ (فَحَرَامٌ كُلُّهُ) بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ، قِيلَ: هَذَا إذَا كَانَ بَاعِثًا عَلَيْهَا (بَلْ إنْ كَانَ فِي أَصْلِ الْعِبَادَةِ) قِيلَ أَيْ الْفَرَائِضِ وَقِيلَ فِي ذَوَاتِهَا لَا فِي أَوْصَافِهَا (كَمَنْ يُصَلِّي الْفَرْضَ عِنْدَ النَّاسِ وَلَا يُصَلِّي فِي الْخَلْوَةِ) لِعَدَمِ مَنْ يَرَى عَمَلَهُ (فَكُفْرٌ عِنْدَ الْبَعْضِ) لَعَلَّهُ لِتَقْدِيمِ خَوْفِ ذَمِّ الْخَلْقِ مَثَلًا عَلَى خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ تَقْدِيمِ رِضَاهُمْ عَلَى رِضَاهُ تَعَالَى وَقِيلَ: لِأَنَّهُ عِبَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْبَعْضِ لِاسْتِلْزَامِ الِاسْتِخْفَافِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - فَتَأَمَّلْ فِي الْكُلِّ.

قِيلَ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَقَالَ (قَالَ فِي التتارخانية وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ لَوْ صَلَّى رِيَاءً فَلَا أَجْرَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْوِزْرُ) قَالَ الْمُحَشِّي أَيْ وِزْرُ الرِّيَاءِ وَوِزْرُ تَرْكِ الْفَرْضِ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا وِزْرُ تَرْكِ الْفَرْضِ فَيَتَضَاعَفُ وِزْرُهُ لَكِنْ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نُقِلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ هَذَا فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ وَفِي الْأَشْبَاهِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَجْرَ لَهُ وَلَا وِزْرَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكْفُرُ) لِاسْتِخْفَافِ الشَّرْعِ، وَقِيلَ: لِتَرْجِيحِ تَعْظِيمِ الْخَلْقِ عَلَى تَعْظِيمِ الْخَالِقِ وَقِيلَ: لِعِبَادَتِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى أَقُولُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ يَلْزَمُ كَوْنُ مُطْلَقِ الرِّيَاءِ كُفْرًا وَالْحَمْلُ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ بَعِيدٌ كَالْحَمْلِ عَلَى الْكُفْرِ الْحُكْمِيِّ لِعَدَمِ حُسْنِ الْمُقَابَلَةِ حِينَئِذٍ (انْتَهَى) كَلَامُ التتارخانية أَقُولُ لَعَلَّ وَجْهَ إكْفَارِ مَنْ كَفَرَ نَحْوُ حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ أَلَا أَنِّي لَسْت أَقُولُ تَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا وَثَنًا وَلَكِنَّ أَعْمَالًا لِغَيْرِ اللَّهِ وَشَهْوَةً خَفِيَّةً» .

قَالَ الْمُنَاوِيُّ سُئِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>