للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّهَادَةِ لِلرُّسُلِ عَلَى أُمَمِهِمْ بِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ وَمِنْ الشَّفَاعَةِ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَأَيْضًا لَا يُقْبَلُ فِي الدُّنْيَا قَالَ فِي التتارخانية لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّتَّامِ (د. عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا لَعَنَ الْعَبْدُ شَيْئًا» وَلَوْ حَيَوَانًا أَوْ جَمَادًا «صَعِدَتْ اللَّعْنَةُ إلَى السَّمَاءِ» فَإِنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ أَنْ يَخْلُقَ اللَّعْنَةَ عَلَى صُورَةِ شَيْءٍ يُتَصَوَّرُ فِيهِ الصُّعُودُ فَإِنَّ النُّصُوصَ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَوَاهِرِهَا مَا لَمْ يَصْرِفْهَا قَطْعِيٌّ «فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا» لِقُبْحِهَا «ثُمَّ تَهْبِطُ» أَيْ تَنْزِلُ «إلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا فَتَأْخُذُ» تَتَرَدَّدُ «يَمِينًا وَشِمَالًا» مِنْ الْهَوَاءِ «فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا» مَرْجِعًا وَمَذْهَبًا وَمَدْخَلًا «رَجَعَتْ» اللَّعْنَةُ «إلَى الَّذِي لُعِنَ» بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ إلَى الْمَلْعُونِ «إنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا» بِالظُّلْمِ وَالْغِوَايَةِ وَتَجَاوُزِ الْحَدِّ «وَإِلَّا رَجَعَتْ إلَى قَائِلِهَا»

فَلَعَلَّ حَاصِلَهُ أَنَّ دُعَاءَ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَكَارِهِ كَالطَّرْدِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْمَدْعُوُّ عَلَيْهِ أَصَابَهُ فَيُسْتَجَابُ فِي حَقِّهِ وَإِلَّا فَيُسْتَجَابُ فِي حَقِّ الدَّاعِي فَيُصِيبُهُ فَيَلْزَمُهُ أَنَّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الدُّعَاءَ شَرْعًا لَا يَضُرُّهُ أَلْبَتَّةَ بَلْ يَضُرُّ الدَّاعِيَ لَكِنَّ ظَاهِرَ بَعْضِ الْآثَارِ بَلْ النُّصُوصِ أَنَّهُ قَدْ يُسْتَجَابُ كَقِصَّةِ بَلْعَمَ فِي حَقِّ مُوسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ لَيْسَتْ بِكُلِّيَّةٍ بَلْ فِي قُوَّةِ الْجُزْئِيَّةِ أَوْ أَكْثَرِيَّةٌ (وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُلْعَنَ بِشَيْءٍ وَلَوْ أَهْلَهَا) لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ عَلَيْهِ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ شُمُولُهُ عَلَى مَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ وَقَدْ سَمِعْت كَثْرَةَ وُرُودِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُوسَى {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} [يونس: ٨٨] الْآيَةُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ جَوَازَ الدُّعَاءِ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ بَلْ اسْتِحْبَابَهُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِمَا وَقَعَ بِلَفْظِ اللَّعْنِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا بِإِرَادَةِ مَعْنًى آخَرَ

[الْعَاشِرُ السَّبُّ]

(الْعَاشِرُ السَّبُّ) أَيْ الشَّتْمُ (خ م. عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا»

أَيْ رَجَعَ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ «أَحَدُهُمَا» مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ «فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ» فَقَدْ صَدَقَ فِيمَا قَالَ «وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ» قِيلَ ذَهَبَ بَعْضٌ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ إلَى كُفْرِ مَنْ قَالَ لِلْمُسْلِمِ يَا كَافِرُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بَلْ يَأْثَمُ وَيَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ أَقُولُ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ مُرَادُ عَدَمِ الْكُفْرِ بِمَا يَكُونُ عَلَى طَرِيقِ الشَّتْمِ وَمُرَادُ الْكُفْرِ بِمَا يَكُونُ رِضَا كُفْرِهِ وَاعْتِقَادُ كُفْرِهِ لِمَا فِي نَحْوِ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُخْتَارُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الشَّتْمَ وَلَا يَعْتَقِدُهُ كَافِرًا لَا يَكْفُرُ وَإِنْ اعْتَقَدَهُ كَافِرًا يَكْفُرُ وَنَاسَبَهُ مَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ إنْ قَالَهُ فِي حَالِ غَضَبِهِ لَا يَكْفُرُ وَإِنْ فِي حَالِ رِضَاهُ يَكْفُرُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ أَيْضًا بَيْنَ مَا نُقِلَ عَنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ لَا يَكْفُرُ وَعَنْ بَعْضٍ يَكْفُرُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إنْ قَالَ لِغَيْرِهِ، أَيْ مغ أَوْ تُرْسًا أَوْ جُحُودًا لَا يَكْفُرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>