(خ م. عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سِبَابُ» بِكَسْرِ السِّينِ «الْمُسْلِمِ» أَيْ سَبُّهُ «فُسُوقٌ» لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى «وَقِتَالُهُ» أَيْ مُحَارَبَتُهُ «كُفْرٌ» إنْ مُسْتَحِلًّا أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهْدِيدِ وَالتَّشْدِيدِ أَوْ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ مِنْ الْمُؤْمِنِ أَوْ كُفْرَانُ نِعْمَةٍ وَفِي الْحَدِيثِ سِبَابُ الْمُؤْمِنِ كَالْمُشْرِفِ عَلَى الْمَهْلَكَةِ.
قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ يَكَادُ أَنْ يَقَعَ فِي الْهَلَاكِ الْأُخْرَوِيِّ (م. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُسْتَبَّانِ» اللَّذَانِ يَسُبُّ كُلٌّ مِنْهَا الْآخَرَ «مَا قَالَا» أَيْ إثْمُ مَا قَالَاهُ «فَعَلَى الْأَوَّلِ» أَيْ الْبَادِئِ مِنْهَا (وَفِي رِوَايَةٍ «فَعَلَى الْبَادِئِ مِنْهُمَا» لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لَهُ «حَتَّى يَعْتَدِيَ الْمَظْلُومُ»
أَيْ يَتَعَدَّى الْحَدَّ فِي السَّبِّ فَيَعُمُّهُمَا عَلَى قَدْرِ اعْتِدَائِهِ فَإِنَّ مَنْ اعْتَدَى عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّمَا يَعْتَدِي عَلَيْهِ بِمِثْلِ اعْتِدَائِهِ لَا غَيْرُ لِأَنَّ جَزَاءَ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ جَوَازُ الْمُقَابَلَةِ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ شَتْمُ الْمُقَابِلِ شَتْمَ الْبَادِئِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ عَنْ الْقُنْيَةِ فَإِنْ تَشَاتَمَا يَجِبُ الِاسْتِحْلَالُ عَلَيْهِمَا وَعَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَوْلَى لِلْإِنْسَانِ فِيمَا إذَا قِيلَ لَهُ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ أَنْ لَا يُجِيبَهُ قَالُوا لَوْ قَالَ لَهُ يَا خَبِيثُ الْأَحْسَنُ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ نَعَمْ ثُمَّ قَالَ أَيْضًا لَوْ أَجَابَ فَقَالَ لَهُ لَا بَلْ أَنْتَ لَا بَأْسَ وَأَيْضًا فِي الْمِنَحِ إنْ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا خَبِيثُ فَجَازَاهُ بِمِثْلِهِ جَازَ لِأَنَّهُ انْتِصَارٌ بَعْدَ الظُّلْمِ وَذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: ٤١] وَالْعَفْوُ أَفْضَلُ قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠] وَإِنْ كَانَتْ الْكَلِمَةُ مُوجِبَةً لِلْحَدِّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَهُ بِمِثْلِهَا تَحَرُّزًا عَنْ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ قَالَ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ فَقَالَ بَلْ أَنْتَ فَتَكَافَآ لَا يُعَزَّرَانِ فَمَا فِي الْقُنْيَةِ إمَّا مَحْمُولٌ عَلَى الِاعْتِدَاءِ أَوْ عَلَى مَا يُوجِبُ الْحَدَّ لَكِنْ قَوْلُهُ فَتَكَافَآ يُفْهَمُ مِنْهُ سُقُوطُ الْإِثْمِ عَنْ الْبَادِئِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَأَمَّلْ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الْإِثْمِ عَلَى الْبَادِئِ فَقَطْ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ (فِي نَحْوِ يَا جَاهِلُ وَيَا أَحْمَقُ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الْمُقَابَلَةُ) لَعَلَّهُ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ التَّعْزِيرُ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ آنِفًا (وَأَمَّا فِي نَحْوِ يَا زَانٍ وَيَا لُوطِيُّ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ الْمُقَابَلَةُ) مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ كَمَا مَرَّ (فَكِلَاهُمَا آثِمٌ وَإِنْ كَانَ إثْمُ الْمُبْتَدِئِ أَكْثَرَ) لِلتَّسَبُّبِ وَالْمُبَاشَرَةِ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ هُوَ الشُّمُولُ كَمَا ذُكِرَ مِنْ الْآيَةِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ بِنَصٍّ آخَرَ فَيَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى إنْ قَالَ لِآخَرَ يَا زَانٍ فَقَالَ لَا بَلْ أَنْتَ يُحَدَّانِ (فَعَلَى الثَّانِي حِينَئِذٍ إمَّا الصَّبْرُ مَعَ الْعَفْوِ) وَهُوَ الْأَفْضَلُ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى زِيَادَةِ فَسَادِ الْأَوَّلِ وَإِفْضَاءِ غُلُوِّهِ كَمَا مَرَّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا» (أَوْ الدَّعْوَةُ إلَى الْقَاضِي) فَيَدَّعِي مُوجِبَهُ وَيَجْزِيهِ تَأْدِيبًا وَتَشَفِّيًا (أَوْ الْمُقَابَلَةُ بِنَحْوِ يَا جَاهِلُ) مِنْ جِنْسِ مَا يَجُوزُ فِيهِ الْمُقَابَلَةُ فَحِينَئِذٍ يَسْتَوْفِي ظِلَامَتَهُ وَبَرِئَ الْأَوَّلُ مِنْ حَقِّهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ إثْمُ الِابْتِدَاءِ أَوْ الْإِثْمُ الْمُسْتَحَقُّ لَهُ تَعَالَى وَقِيلَ يَرْتَفِعُ عَنْهُ جَمِيعُ الْإِثْمِ بِالِانْتِصَارِ مِنْهُ وَيَكُونُ مَعْنَى فَعَلَى الثَّانِي عَلَيْهِ اللَّوْمُ وَالذَّمُّ مِمَّا قَالَاهُ
(وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِالنَّهْيِ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ) عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute