للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِيهِ أَيْضًا الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَاشِرَهُ مُعَاشَرَةَ الْإِخْوَةِ فِي التَّحَابُبِ وَالتَّصَافِي وَتَجَنُّبِ التَّجَافِي وَالْتِزَامِ اللِّينِ وَالرِّفْقِ وَالْبَشَاشَةِ وَجَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ وَالْإِغَاثَةِ وَالْإِعَانَةِ وَجَلْبِ الْمَسَار لَا يَدَعُ نَصِيحَتَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي مَقَامِ الْعَلَنِ عَلَنًا وَفِي مَقَامِ السِّرِّ سِرًّا وَفِيهِ أَيْضًا الْمُؤْمِنُ يُؤْلَفُ لِحُسْنِ أَخْلَاقِهِ وَسُهُولَةِ طِبَاعِهِ وَلِينِ جَانِبِهِ وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ لِضَعْفِ إيمَانِهِ وَعُسْرِ أَخْلَاقِهِ وَسُوءِ طِبَاعِهِ وَالْأُلْفَةُ سَبَبٌ لِلِاعْتِصَامِ بِاَللَّهِ وَالتَّمَسُّكِ بِحَبْلِهِ لَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلْفًا مَأْلُوفًا تَخْتَطِفُهُ أَيْدِي حَاسِدِيهِ وَتَحْكُمُ فِيهِ أَهْوَاءُ أَعَادِيهِ فَلَمْ تَسْلَمْ لَهُ نِعْمَةٌ وَلَمْ تَصْفُ لَهُ مَوَدَّةٌ وَإِذَا كَانَ إلْفًا مَأْلُوفًا انْتَصَرَ عَلَى أَعَادِيهِ وَامْتَنَعَ بِهِمْ مِنْ حُسَّادِهِ فَسَلِمَتْ نِعْمَتُهُ مِنْهُمْ وَصَفَتْ مَوَدَّتُهُ بَيْنَهُمْ وَالْعَرَبُ تَقُولُ مَنْ قَلَّ ذَلَّ الْكُلُّ مِنْ الْمُنَاوِيِّ مُلَخَّصًا

[التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ السُّؤَالُ وَالتَّفْتِيشُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ]

(التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ) مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ (السُّؤَالُ وَالتَّفْتِيشُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ) لَا لِغَرَضٍ دِينِيٍّ (وَهُوَ) (التَّجَسُّسُ وَتَتَبُّعُ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ) وَقَبَائِحِهِمْ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: ١٢] أَيْ لَا تَبْحَثُوا عَنْ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ ظَنٌّ غَالِبٌ أَوْ عِلْمٌ لِتَجَاهُرِهِ بِهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَاشِيَةِ كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَا بَأْسَ بِالْهُجُومِ عَلَى الْمُفْسِدِينَ وَالدُّخُولِ فِي بُيُوتِهِمْ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ إذَا سُمِعَ فِيهِ صَوْتُ فَسَادٍ لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَرِ.

كَمَا فِي النِّصَابِ عَنْ الْمُحِيطِ كَمَا سَبَقَ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَضُدُ فِي رِسَالَةِ عَقَائِدِهِ وَلَا يَجُوزُ التَّجَسُّسُ قَالَ الْمُحَقِّقُ الدَّوَانِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: ١٢] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ فَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ» .

وَأَيْضًا عُلِمَ مِنْ سِيرَتِهِ الْمُطَهَّرَةِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ إظْهَارَ الْمُنْكَرَاتِ الصَّادِرَةِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُرْشِدُهُمْ إلَى الْإِنْكَارِ كُلُّ ذَلِكَ لِكَمَالِ رَحْمَتِهِ وَعَظِيمِ أَخْلَاقِهِ

وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلشُّهُودِ الْكِتْمَانُ فِي الْمَعَاصِي دُونَ الْكُفْرِ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِدُخُولِهِ دَارَ رَجُلٍ يَفْعَلُ الْمُنْكَرَ وَقَدْ مَرَّتْ وَذَكَرْت فِي النِّصَابِ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَعُسُّ لَيْلَةً مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَاطَّلَعَ مِنْ خَلَلِ بَابٍ فَإِذَا شَيْخٌ بَيْنَ يَدَيْهِ شَرَابٌ فَتَسَوَّرَا فَقَالَ عُمَرُ مَا أَقْبَحَ شَيْخًا مِثْلَكَ فَقَامَ إلَيْهِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا عَصَيْت بِوَاحِدَةٍ وَأَنْتَ بِثَلَاثٍ تَجَسَّسْت. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: ١٢] وَتَسَوَّرْت وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} [البقرة: ١٨٩] إلَى أَنْ قَالَ {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: ١٨٩] وَدَخَلْت بِغَيْرِ إذْنٍ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: ٢٧] . فَقَالَ عُمَرُ صَدَقْت فَهَلْ أَنْتَ غَافِرٌ لِي فَقَالَ غَفَرَ اللَّهُ لَك فَخَرَجَ عُمَرُ بَاكِيًا وَقَائِلًا وَيْلٌ لِعُمَرَ إنْ لَمْ يَغْفِرْ اللَّهُ لَهُ يَجِدُ الرَّجُلَ يَخْتَفِي بِهَذَا عَنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَالْآنَ يَقُولُ رَآنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ

دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُحْتَسِبَ لَا يَتَجَسَّسُ وَلَا يَتَسَوَّرُ وَلَا يَدْخُلُ بَيْتًا بِلَا إذْنٍ وَمَا قَالُوا مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْتَسِبِ الدُّخُولُ بِلَا إذْنٍ فِيمَا إذَا أُظْهِرَ وَهَذَا فِيمَا إذَا سُتِرَ انْتَهَى مُلَخَّصًا فَلْيُتَأَمَّلْ.

(د عَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّكَ إنْ تَتَبَّعْت عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ» أَيْ قَارَبْت «تُفْسِدُهُمْ»

<<  <  ج: ص:  >  >>