للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْأَمْرِ «مَا شَاءَ» يَعْنِي أَنَّ قَضَاءَ حَاجَةِ مَنْ شَفَعَ بِتَقْدِيرِهِ تَعَالَى كَمَا أَنَّ عَدَمَهُ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ «مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ «مَنْ قَضَى لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ حَاجَةً كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ كَمَنْ خَدَمَ اللَّهَ حَجَّ وَاعْتَمَرَ» وَفِي رِوَايَةٍ «كَمَنْ خَدَمَ اللَّهَ عُمُرَهُ» .

(وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ إذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا» عَلَيْهَا ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِيَ (الْحَدِيثِ) السَّابِقِ (د عَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا» يُثِبْكُمْ اللَّهُ عَلَى الشَّفَاعَةِ وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ فِيمَا لَا حَدَّ فِيهِ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْخَيْرِ بِالْفِعْلِ وَالنَّسَبِ قَالَ فِي الْأَذْكَارِ تُسْتَحَبُّ الشَّفَاعَةُ إلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْحُقُوقِ مَا لَمْ تَكُنْ فِي حَدٍّ أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ كَالشَّفَاعَةِ إلَى نَاظِرِ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ وَقْفٍ فِي تَرْكِ بَعْضِ حَقِّ مَنْ فِي وِلَايَتِهِ فَشَفَاعَتُهُ مُحَرَّمَةٌ وَفِي الْجَامِعِ عَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ عَسَاكِرَ عَلَى رِوَايَةِ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَنَّ هَذَا تَمَامُ الْحَدِيثِ وَفِيهِ عَلَى تَخْرِيجِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى زِيدَ قَوْلُهُ «وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ»

قَالَ فِي شَرْحِهِ فَاشْفَعُوا لِمَنْ عَرَضَ حَاجَةً يَحْصُلْ لَكُمْ أَجْرُ الشَّفَاعَةِ وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ فَإِنْ قُبِلَ أَوْ لَمْ يُقْبَلْ فَبِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مِنْ مَكَارِمِ أَخْلَاقِ الْمُصْطَفَى لِيَصِلُوا جَنَاحَ السَّائِلِ وَطَالِبِ الْحَاجَةِ وَهُوَ تَخَلُّقٌ بِأَخْلَاقِهِ تَعَالَى حَيْثُ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ «اشْفَعْ تُشَفَّعْ» فَفِيهِ حَثٌّ عَلَى الشَّفَاعَةِ وَدَلَالَةٌ عَلَى عِظَمِ ثَوَابِهَا وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ وَرُبَّمَا يَعْرِضُ لَهُ مَا يَعْرِضُ فَتَصِيرُ الشَّفَاعَةُ وَاجِبَةً انْتَهَى «فَإِنِّي أُرِيدُ الْأَمْرَ» الَّذِي أَسْأَلُ فِيهِ «فَأَدَّخِرُهُ» أَيْ لَا أَفْعَلُهُ حَالًا لِيَحْصُلَ لَكُمْ الْأَجْرُ بِالشَّفَاعَةِ «كَيْمَا» لَفْظَةُ مَا زَائِدَةٌ «تَشْفَعُوا فَتُؤْجَرُوا» أَيْ يَحْصُلُ لَكُمْ الْأَجْرُ وَالثَّوَابُ بِسَبَبِ الشَّفَاعَةِ يَعْنِي أَنْتَظِرُ فِي حُصُولِ الْأَمْرِ إلَى شَفَاعَتِكُمْ لِيَحْصُلَ لَكُمْ أَجْرُ الشَّفَاعَةِ.

قَالَ فِي بُسْتَانِ الْعَارِفِينَ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ شَفَاعَةٌ حَسَنَةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَيْرُ النَّاسِ مَنْ يَنْفَعُ النَّاسَ» وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَسْأَلُنِي فَأَمْنَعُهُ لِكَيْ تَشْفَعُوا فَتُؤْجَرُوا» يَعْنِي عِنْدَ سُؤَالِ الرَّجُلِ مِنِّي شَيْئًا أَمْنَعُهُ لِكَيْ تَشْفَعُوا فَتُؤْجَرُوا. وَقَالَ الْحَسَنُ الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ يَجْرِي أَجْرُهَا لِصَاحِبِهَا مَا جَرَتْ مَنْفَعَتُهَا

وَيُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ صَدَقَةٌ وَصَدَقَةُ الرِّيَاسَةِ الشَّفَاعَةُ وَإِعَانَةُ الضُّعَفَاءِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ مَنْ كَانَ دَخَّالًا عَلَى الْأُمَرَاءِ وَلَا يَكُونُ مُشَفَّعًا فَهُوَ ضَالٌّ دَعِيٌّ وَرُوِيَ أَنَّهُ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَى دَاوُد أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي يَأْتِي بِحَسَنَةٍ فَأُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ قَالَ يَا رَبِّ وَمَا تِلْكَ الْحَسَنَةُ قَالَ مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ انْتَهَى

[السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ الْأَمْرُ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمَعْرُوفِ]

(السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ الْأَمْرُ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ صِفَةُ الْمُنَافِقِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة: ٦٧] أَيْ مُتَشَابِهَةٌ فِي النِّفَاقِ وَالْبَعْدِ عَنْ الْإِيمَانِ كَأَبْعَاضِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ {يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ} [التوبة: ٦٧] بِالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة: ٦٧] بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ (وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَمْرُ بِالظُّلْمِ وَإِعَانَةُ الظَّلَمَةِ عَلَى ظُلْمِهِمْ بِالْقَوْلِ وَضِدِّهِ) وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ (فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) فَلَوْ أَقَامَهُ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِلَّا أَثِمَ الْكُلُّ (عِنْدَ الْقُدْرَةِ بِلَا ضَرَرٍ) لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ نَعَمْ لَوْ اقْتَحَمَ ذَلِكَ وَخَاضَ مَعَهُ بَذْلًا لِنَفْسِهِ لِلَّهِ تَعَالَى أُجِرَ وَلِلْمَالِ إنْ كَانَ لَهُ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>