للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي أَنْ يَكُونَ نُطْقِي ذِكْرًا وَصَمْتِي فِكْرًا وَنَظَرِي عِبْرَةً»

وَفِي التَّنْبِيهِ وَذُكِرَ عَنْ عِيسَى أَنَّهُ قَالَ لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ فِي غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَتَقْسُو قُلُوبُكُمْ وَالْقَلْبُ الْقَاسِي بَعِيدٌ عَنْ الْحَقِّ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ وَأَقُولُ كَمَا كَانَ الْفُضُولُ مِنْ الْكَلَامِ آفَةً كَذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَلِذَا قِيلَ الْإِصْرَارُ عَلَى الْمُبَاحِ صَغِيرَةٌ وَصَيْدُ مَنْ أَفْرَطَ فِي الِاصْطِيَادِ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَ إبَاحَةِ أَصْلِهِ وَعَنْ بَعْضِ الْكُتُبِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ سَمِعْت أَنَّ الْأُسْتَاذَ الْإِمَامَ عَبْدَ اللَّهِ وَأَحْمَدَ بْنَ حَرْبٍ حَفَرَا مَوْضِعًا فَقَلَعَ أَحْمَدُ حَشِيشًا مِنْ الْأَرْضِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَصَلَتْ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ الْأَوَّلُ شَغَلْت قَلْبَك عَنْ تَسْبِيحِ مَوْلَاك الثَّانِي دَعَوْت نَفْسَك إلَى الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ الثَّالِثُ جَعَلْت لَك طَرِيقًا يُقْتَدَى بِك فِيهِ الرَّابِعُ مَنَعْت حَشِيشًا مِنْ الْأَرْضِ مُسَبِّحًا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ الْخَامِسُ أَلْزَمْت نَفْسَك حُجَّةَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ لَا يَكُونُ مِثْلُك وَاعِظًا يَا عَبْدَ اللَّهِ ثُمَّ قِيلَ سَبَبُ مَا لَا يَعْنِي وَالْفُضُولِ الْحِرْصُ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَوْ الْمُبَاسَطَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَدُّدِ أَوْ تَزْجِيَةِ الْوَقْتِ بِحِكَايَاتِ أَحْوَالٍ لَا فَائِدَةَ فِيهَا وَعِلَاجُهُمَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَوْتَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ كُلِّ كَلِمَةٍ وَأَنَّ أَنْفَاسَهُ رَأْسُ مَالِهِ وَأَنَّ لِسَانَهُ شَبَكَتُهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَقْنِصَ الْحُورَ الْعَيْنَ فَإِهْمَالُهُ وَتَضْيِيعُهُ خُسْرَانٌ؛ هَذَا عِلَاجُهُمَا عِلْمًا وَأَمَّا عَمَلًا فَالْعُزْلَةُ أَوْ وَضْعُ الْحَجَرِ فِي الْفَمِ وَإِلْزَامُ النَّفْسِ السُّكُوتَ عَنْ بَعْضِ مَا يَعْنِي لِيَتَعَوَّدَ اللِّسَانُ تَرْكَ مَا لَا يَعْنِيهِ وَفُضُولُ الْكَلَامِ وَضَبْطُ اللِّسَانِ فِي هَذَيْنِ لَا يَتَيَسَّرُ إلَّا عَلَى الْمُعْتَزِلِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْ الْعَادَاتِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا النِّظَامُ لِلْعَالِمِ]

(الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِيمَا الْأَصْلُ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْ) (الْعَادَاتِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا النِّظَامُ) لِلْعَالِمِ كَسِيَاسَةِ الْمَدِينَةِ وَتَدْبِيرِ الْمَنْزِلِ (وَهِيَ الْمُعَامَلَاتُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيدَاعِ وَالْإِعَارَةِ) (وَنَحْوِهَا) مِنْ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ (فَهَذِهِ الْأُمُورُ مُبَاحَاتٌ) شَرْعًا (فِي نَفْسِهَا) الْأَوْلَى فِي أَنْفُسِهَا (وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا فِي بَعْضِ الْحَالِ وَاجِبًا) كَالنِّكَاحِ عِنْدَ التَّوَقَانِ لِلْقَادِرِ عَلَى النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ لِأَنَّ مَا لَا يُتَوَسَّلُ إلَى تَرْكِ الْحَرَامِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا وَيَكُونُ وَاجِبًا عَلَى حَسَبِهِ (أَوْ سُنَّةً) كَهُوَ حَالِ الِاعْتِدَالِ وَيُكْرَهُ لِخَوْفِ الْجَوْرِ كَمَا فِي الدُّرَرِ (أَوْ مُسْتَحَبًّا وَلَكِنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ فِيهِ أَرْكَانًا وَشُرُوطًا تَجِبُ رِعَايَتُهُمَا عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ وَإِلَّا) إنْ لَمْ يُرَاعِ تِلْكَ الْأَرْكَانَ وَالشُّرُوطَ (يَصِيرُ بَاطِلًا) إذْ رُكْنُ الشَّيْءِ جُزْؤُهُ فَبِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ يَنْتَفِي (أَوْ فَاسِدًا) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْخَلَلُ لِذَاتِ الشَّيْءِ فَبَاطِلٌ وَإِنْ لِوَصْفِهِ فَفَاسِدٌ (أَوْ مَكْرُوهًا) وَالتَّفْصِيلُ فِي الْفَقِيهِ (فَيَأْثَمُ صَاحِبُهُ) فَفِي التَّفْرِيعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَرَاهَةِ لَا سِيَّمَا بِاعْتِبَارِ شُمُولِهَا التَّنْزِيهِيَّةَ خَفَاءٌ إلَّا أَنْ يُخَصَّ قَوْلُهُ (أَوْ يُسِيءُ) بِالْكَرَاهَةِ وَلَا سِيَّمَا التَّنْزِيهِيَّةُ (فَتَكُونُ آفَةً لِلِّسَانِ فَلِذَا) أَيْ فَلِأَجْلِ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ فِي الْمُعَامَلَاتِ أَرْكَانًا وَشُرُوطًا تَجِبُ رِعَايَتُهُمَا عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ وَبِانْعِدَامِهِمَا يَلْزَمُ الْإِثْمُ وَالْإِسَاءَةُ (لِمَا قِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ) صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ (لِمَ لَا تُصَنِّفُ كِتَابًا فِي الزُّهْدِ) فِي التَّصَوُّفِ (قَالَ صَنَّفْت كِتَابَ الْبُيُوعِ) قِيلَ لَعَلَّهُ قَبْلَ تَصْنِيفِهِ فِي الزُّهْدِ وَإِلَّا فَلَهُ تَصْنِيفٌ مَعْرُوفٌ فِي الزُّهْدِ (إشَارَةً إلَى أَنَّ الزُّهْدَ وَالتَّقْوَى لَا يَحْصُلُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا وَإِلَّا فَحَقُّ الْعِبَارَةِ لَا يَحْصُلَانِ (إلَّا بِالتَّحَرُّزِ) أَيْ بِتَكَلُّفِ الِاحْتِرَازِ (فِي الْمُعَامَلَاتِ عَنْ كُلِّ بُطْلَانٍ) بِفَسَادِ ذَاتِهَا كَأَرْكَانِهَا (وَفَسَادُهَا) أَيْ فَسَادُ وَصْفِهَا كَشَرَائِطِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>