للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُفَارَقَةُ فَاسْتَأْذَنَ صَاحِبَهُ فَقَالَ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَصْحَبَ أَحَدًا إلَّا إذَا كَانَ فَوْقَنَا، وَإِنْ كَانَ مِثْلَنَا فَلَا تُصَاحِبْهُ فَقَالَ الرَّجُلُ زَالَ مِنْ قَلْبِي إرَادَةُ الْمُفَارَقَةِ، وَفِيهَا صَحِبَ رَجُلٌ إبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُ قَالَ نَبِّهْ عَيْبِي فَقَالَ إنِّي أُحِبُّك فَاسْتَحْسَنْتُ مِنْك مَا رَأَيْتُ فَسَلْ غَيْرِي عَنْ عَيْبِك وَفِيهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَتَى أَلْقَى أَحِبَّائِي فَقَالَ أَصْحَابُهُ بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمِّنَا أَوَلَسْنَا أَحِبَّاءَك فَقَالَ أَنْتُمْ أَصْحَابِي أَحِبَّائِي قَوْمٌ لَمْ يَرَوْنِي وَآمَنُوا بِي، وَأَنَا إلَيْهِمْ بِالْأَشْوَاقِ» .

وَكَانَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ يَقُولُ كُلُّ إنْسَانٍ يَأْنِسُ بِشَكْلِهِ كَمَا أَنَّ كُلَّ طَيْرٍ يَأْنِسُ مَعَ جِنْسِهِ فَرَأَى يَوْمًا غُرَابًا مَعَ حَمَامَةٍ فَعَجِبَ مِنْ ذَلِكَ فَلَمَّا طَارَا فَإِذَا هُمَا أَعْرَجَانِ فَقَالَ مِنْ هُنَا اتَّفَقَا وَرُوِيَ أَنَّ كَلْبًا لِحُبِّهِ الْمُطِيعِينَ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْقُرْآنِ فَكَيْفَ بِالْمُؤْمِنِ إذَا أَحَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَحَبَّ أَوْلِيَاءَهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْعُيُونِ، وَأَنَا أَقُولُ عَشَرَةٌ مِنْ الْحَيَوَانِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِشَرَفِ الصُّحْبَةِ

[الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ الْجُرْأَةُ]

(الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ)

(الْجُرْأَةُ) وَهِيَ الْإِقْدَامُ وَالتَّهَوُّرُ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَلَا تَفَكُّرٍ وَقِيلَ عَنْ التَّحْقِيقِ وَالْمُجْتَرِئُونَ (عَلَى اللَّهِ تَعَالَى) كَالْفَرَاعِنَةِ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ عَلَى اللَّهِ وَالدَّجَاجِلَةِ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَالزَّنَادِقَةِ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي الْأَدْيَانِ وَالشَّرَائِعِ وَالظَّلَمَةِ الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْفَسَقَةِ الَّذِينَ يُجَاهِرُونَ بِالْمَعَاصِي عَلَانِيَةً وَلَا يَتَحَاشَوْنَ مِنْ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْمُبْتَدِعَةِ الَّذِينَ يَبْتَدِعُونَ فِي الْإِسْلَامِ مَا لَيْسَ مِنْهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ آنِفًا.

(وَالْأَمْنُ مِنْ عَذَابِهِ وَسَخَطِهِ) أَيْ غَضَبِهِ وَبَطْشِهِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَمْنَ كُفْرٌ وَالْمَقَامُ فِيمَا لَيْسَ بِكُفْرٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا يَكُونُ كُفْرٌ إمَّا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ وَالْيَقِينِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا هُوَ بِالظَّنِّ فَفِيهِ أَيْضًا تَأَمُّلٌ (وَضِدُّهُ الْخَوْفُ فَإِنْ كَانَ مَعَ الِاسْتِعْظَامِ) لَهُ تَعَالَى بِاعْتِقَادِ عَظَمَتِهِ (وَالْمَهَابَةِ) أَيْ هَيْبَتِهِ (يُسَمَّى) ذَلِكَ الْخَوْفُ (خَشْيَةٌ) فَالْخَوْفُ مُطْلَقٌ وَالْخَشْيَةُ مُقَيَّدٌ وَالثَّانِيَةُ مَا يَكُونُ فِي الْأَنْبِيَاءِ إذْ لَيْسَ لَهُمْ خَوْفٌ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ وَلَا مِنْ عَذَابِ النَّارِ بَلْ لِكَمَالِ عِرْفَانِهِمْ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَا أَعْرَفُكُمْ بِاَللَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً» فَكُلَّمَا ازْدَادَتْ الْمَعْرِفَةُ ازْدَادَتْ الْخَشْيَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨] وَذَلِكَ مُشَارٌ بِمَا نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ فَتَكُونُ الْخَشْيَةُ خَاصَّةً دُونَ الْخَوْفِ (وَحَقِيقَتُهُ رَعْدَةٌ تَحْدُثُ) أَيْ حَرَكَةُ تَحْصُلُ (فِي الْقَلْبِ عَنْ ظَنٍّ مَكْرُوهٍ) يَنْفِرُ عَنْهُ الطَّبْعُ مُطْلَقًا (يَنَالُهُ) أَيْ الْخَائِفَ (وَسَبَبُهُ) أَيْ الْخَوْفِ (ذِكْرُ الذُّنُوبِ) وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ الْعِقَابِ عَاجِلًا وَآجِلًا (وَ) ذِكْرُ (شِدَّةِ عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَ) ذِكْرُ (ضَعْفِ النَّفْسِ عَنْ احْتِمَالِهَا) أَيْ الْعُقُوبَةِ (وَقُدْرَةِ اللَّهِ عَلَيْك مَتَى شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ وَأَنْتَ عَبْدٌ ذَلِيلٌ عَاجِزٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَدْ خَلَقَك وَرَزَقَك)

<<  <  ج: ص:  >  >>