للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِسِّيًّا هُوَ مَا يُقِيمُ بِهِ بِنْيَتَك أَوْ مَعْنَوِيًّا مَا يُقِيمُ بِهِ بُنْيَانَ نَفْسِك وَرُوحِك مِنْ الْإِدْرَاكَاتِ وَالْعُلُومِ وَالْفُهُومِ (وَهَدَاك) إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُوَصِّلِ إيَّاكَ إلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ (وَأَنْتَ) مَعَ ذَلِكَ (تُخَالِفُهُ) بِتَرْكِ مَأْمُورَاتِهِ وَإِتْيَانِ مَنْهِيَّاتِهِ (وَتَعْصِيهِ) بِالْإِقْدَامِ عَلَى مَحَارِمِهِ (وَيُثْمِرُ) أَيْ الْخَوْفُ (الْحُزْنَ وَهُوَ) أَيْ الْحُزْنُ (حَصْرُ النَّفْسِ) وَحَبْسُهَا (عَنْ النُّهُوضِ) أَيْ الشُّرُوعِ وَالْإِقْدَامِ (فِي الطَّرَبِ) فِي السُّرُورِ.

(وَ) يُثْمِرُ (التَّوَجُّعَ عَلَى الذَّنْبِ الْمَاضِي وَالتَّأَسُّفَ عَلَى الْعُمْرِ وَالطَّاعَةِ الْفَائِتَيْنِ) وَفِي الْقُشَيْرِيَّةِ صَاحِبُ الْحُزْنِ يَقْطَعُ مِنْ طَرِيقِ اللَّهِ مَا لَا يَقْطَعُهُ مَنْ فَقَدَ حُزْنَهُ سِنِينَ وَفِي الْخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ يُحِبَّ كُلَّ قَلْبٍ حَزِينٍ» وَقِيلَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَلْبِ حُزْنٌ خَرِبَ كَمَا أَنَّ الدَّارَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا سَاكِنٌ تَخْرَبُ وَسَمِعَتْ رَابِعَةُ الْعَدَوِيَّةُ رَجُلًا يَقُولُ وَاحُزْنَاه قَالَتْ قُلْ وَاقِلَّةَ حُزْنَاهُ وَلَوْ كُنْت مَحْزُونًا لَمْ يَتَهَيَّأْ لَك تَنَفُّسٌ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ أَكْثَرُ مَا يَجِدُهُ الْمُؤْمِنُ فِي صَحِيفَتِهِ مِنْ الْحَسَنَاتِ الْهَمُّ وَالْحُزْنُ وَكَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ إنَّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ زَكَاةً وَزَكَاةُ الْعَقْلِ طُولُ الْحُزْنِ (وَ) يُثْمِرُ الْخَوْفُ أَيْضًا (الْخُشُوعَ وَهُوَ قِيَامُ الْقَلْبِ بَيْنَ يَدَيْ الْحَقِّ) (بِهَمٍّ) أَيْ حُزْنٍ (مَجْمُوعٍ) عَلَى التَّوَجُّهِ لِلْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (وَقِيلَ تَذَلُّلُ الْقُلُوبِ لِعَلَّامِ الْغُيُوبِ) لِكَمَالِ عَظَمَتِهِ وَنِهَايَةِ شَرَفِهِ وَعِزَّتِهِ وَفِي الْقُشَيْرِيَّةِ مَنْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَمْ يَقْرَبْهُ شَيْطَانٌ وَقِيلَ عَلَامَةُ الْخُشُوعِ أَنَّهُ إذَا أُغْضِبَ أَوْ خُولِفَ أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ يَسْتَقْبِلُ ذَلِكَ بِالْقَبُولِ وَقَالَ بَعْضٌ خُشُوعُ الْقَلْبِ قَيْدُ الْعُيُونِ عَنْ النَّظَرِ وَالْخَاشِعُ مَنْ خَمَدَتْ نِيرَانُ شَهْوَتِهِ وَسَكَنَ دُخَانُ صَدْرِهِ وَأَشْرَقَ نُورُ التَّعْظِيمِ مِنْ قَلْبِهِ فَمَاتَتْ شَهَوَاتُهُ وَحَيَّ قَلْبُهُ فَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ.

وَعَنْ الْحَسَنِ الْخُشُوعُ الْخَوْفُ الدَّائِمُ اللَّازِمُ وَرَأَى بَعْضُهُمْ رَجُلًا مُنْقَبِضَ الظَّاهِرِ مُنْكَسِرَ الشَّاهِدِ قَدْ زَوَى مَنْكِبَيْهِ فَقَالَ يَا فُلَانُ الْخُشُوعُ هَاهُنَا وَأَشَارَ إلَى صَدْرِهِ لَا هَاهُنَا وَأَشَارَ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَأَى رَجُلًا يَعْبَثُ فِي صَلَاتِهِ بِلِحْيَتِهِ «لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ» وَيُقَالُ الْخُشُوعُ مُقَدِّمَاتُ غَلَبَةِ الْهَيْبَةِ وَيُقَالُ هُوَ قُشَعْرِيرَةٌ تَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ بَغْتَةً عِنْدَ مُفَاجَأَةِ كَشْفِ الْحَقِيقَةِ (وَالْيَقِينَ) أَيْ يُثْمِرُ الْيَقِينَ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَقَامُ (عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ اسْتِيلَاءُ الْعِلْمِ) قِيلَ اللَّدُنِّي (عَلَى الْقَلْبِ) فَيَخْرُجُ بِهِ مَا لِلدُّنْيَا وَلِلنَّفْسِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكَرْبِ (وَاسْتِغْرَاقِهِ) أَيْ الْقَلْبِ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ فَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ تَدْبِيرِهِ فَيَكُونُ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (يُقَالُ لَا يَقِينَ لِفُلَانٍ لِلْمَوْتِ) قِيلَ الْأَوْلَى بِالْمَوْتِ لِأَنَّ تَعْدِيَتَهُ إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْبَاءِ عَلَى مَا فِي الْمِصْبَاحِ أَقُولُ فَحِينَئِذٍ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْأَوْلَى بِالْمَوْتِ أَوْ الْمَوْتُ بِلَا جَارٍّ بَلْ أَنْ يُقَالَ الصَّوَابُ بَدَلَ الْأَوْلَى فَافْهَمْ.

وَفِي الْقُشَيْرِيَّةِ أَنَّ أَقَلَّ الْيَقِينِ إذَا وَصَلَ إلَى الْقَلْبِ يَمْلَأُ الْقَلْبَ نُورًا أَوْ يَنْفِي عَنْهُ كُلَّ قَرِيبٍ يَمْتَلِئُ الْقَلْبُ بِهِ شُكْرًا وَمِنْ اللَّهِ خَوْفًا.

وَعَنْ سَهْلٍ ابْتِدَاءُ الْيَقِينِ الْمُكَاشَفَةُ وَحَرَامٌ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ أَنْ يَشُمَّ رَائِحَةَ الْيَقِينِ وَفِيهِ سُكُونٌ إلَى غَيْرِ اللَّهِ.

وَعَنْ ذِي النُّونِ الْيَقِينُ دَاعٍ إلَى قَصْرِ الْأَمَلِ وَقَصْرُ الْأَمَلِ إلَى الزُّهْدِ وَالزُّهْدُ يُوَرِّثُ الْحِكْمَةَ وَالْحِكْمَةُ تُوَرِّثُ النَّظَرَ فِي الْعَوَاقِبِ وَعَنْهُ أَيْضًا ثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْلَامِ الْيَقِينِ قِلَّةُ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَتَرْكُ الْمَدْحِ لَهُمْ فِي الْعَطِيَّةِ وَالتَّنَزُّهُ عَنْ ذَمِّهِمْ عِنْدَ الْمَنْعِ وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْلَامِ يَقِينِ الْيَقِينِ - النَّظَرُ إلَى اللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ - وَالرُّجُوعُ إلَيْهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ - وَالِاسْتِعَانَةُ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ (إذَا لَمْ يَسْتَوْلِ ذِكْرُهُ) أَيْ الْمَوْتِ (عَلَى قَلْبِهِ وَلَمْ يَسْتَعِدَّ لَهُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>