لِلْمَوْتِ (وَالْعُبُودِيَّةَ) أَيْ يُثْمِرُ الْعُبُودِيَّةَ (وَهِيَ أَنْ تَكُونَ) أَيُّهَا الْمُكَلَّفُ (عَبْدَهُ) بِأَنْ تَكُونَ فِي طَاعَتِهِ (فِي كُلِّ حَالٍ) فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْخَطْبِ وَالرَّخَاءِ وَالسِّرِّ وَالْعَلَنِ (كَمَا أَنَّهُ رَبُّكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ) فَكَمَا لَمْ يَخْرُجْ هُوَ عَنْ رُبُوبِيَّتِك فَلَا تَخْرُجُ أَنْتَ عَنْ عُبُودِيَّتِهِ (وَهِيَ) أَيْ الْعُبُودِيَّةُ (أَتَمُّ مِنْ الْعِبَادَةِ) قِيلَ هُنَا فَأَوَّلًا عِبَادَةٌ ثُمَّ عُبُودِيَّةٌ ثُمَّ عُبُودَةٌ فَالْعِبَادَةُ لِلْعَوَامِّ وَالْعُبُودِيَّةُ لِلْخَوَاصِّ وَالْعُبُودَةُ لِخَاصِّ الْخَاصِّ أَوْ الْعِبَادَاتُ لِمَنْ لَهُ عِلْمُ الْيَقِينِ وَالْعُبُودِيَّةُ لِمَنْ لَهُ عَيْنُ الْيَقِينِ وَالْعُبُودَةُ لِمَنْ لَهُ حَقُّ الْيَقِينِ أَوْ الْعِبَادَةُ لِأَصْحَابِ الْمُجَاهَدَاتِ وَالْعُبُودِيَّةُ لِأَرْبَابِ الْمُكَابَدَاتِ وَالْعُبُودَةُ أَهْلُ الْمُشَاهَدَاتِ (وَيَلْزَمُهَا) أَيْ الْعُبُودِيَّةَ (الْحُرِّيَّةُ وَهِيَ) أَيْ الْحُرِّيَّةُ (أَنْ لَا يَكُونَ الْعَبْدُ تَحْتَ رِقِّ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ سُلْطَانُ الْمُكَوِّنَاتِ) وَعَلَامَةُ صِحَّتِهِ سُقُوطُ التَّمْيِيزِ عَنْ قَلْبِهِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ وَحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ فِي كَمَالِ الْعُبُودِيَّةِ فَإِذَا صَدَقَتْ لِلَّهِ عُبُودِيَّتُهُ خَلَصَتْ عَنْ رِقِّ الْأَغْيَارِ حُرِّيَّتُهُ. اعْلَمْ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ هِيَ الِانْطِلَاقُ عَنْ رِقِّ الْأَغْيَارِ فَحُرِّيَّةُ الْعَامَّةِ عَنْ رِقِّ الْمُرَادَاتِ لِفِنَاءِ إرَادَتِهِمْ فِي إرَادَةِ الْحَقِّ وَحُرِّيَّةُ الْخَوَاصِّ عَنْ رِقِّ الرُّسُومِ وَالْآثَارِ لِانْمِحَاقِهِمْ فِي تَجَلِّي نُورِ الْأَنْوَارِ (وَيَلْزَمُهَا) أَيْ الْعُبُودِيَّةَ (الْإِرَادَةُ أَيْضًا) كَمَا لَزِمَهَا الْحُرِّيَّةُ (وَهِيَ نُهُوضُ الْقَلْبِ) جِدَّةً (فِي طَلَبِ الْحَقِّ) أَيْ الْمَعْرِفَةِ الذَّوْقِيَّةِ الْوِجْدَانِيَّةِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَى الْكَشْفِ لَا الْمَعْرِفِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَى الْأَدِلَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: ٥٢]- (بِالْخُرُوجِ عَنْ الْعَادَةِ) إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِتَرْكِ مَا سِوَاهُ قَالَ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ الْإِرَادَةُ بَدْءُ طَرِيقِ السَّالِكِينَ وَهِيَ اسْمٌ لِأَوَّلِ مَنْزِلِ الْقَاصِدِينَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا سَمَّى ذَلِكَ إرَادَةً لِتَقَدُّمِهَا عَلَى كُلِّ أَمْرٍ فَمَا لَمْ يُرِدْ الْعَبْدُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ فَالْمُرِيدُ مَنْ لَهُ إرَادَةٌ كَالْعَالِمِ مَنْ لَهُ عِلْمٌ ثُمَّ قَالَ وَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي مَعْنَى الْإِرَادَةِ فَكُلٌّ عَبَّرَ بِمَا لَاحَ لِقَلْبِهِ فَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ هِيَ تَرْكُ مَا عَلَيْهِ الْعَادَةُ وَعَادَةُ النَّاسِ التَّفْرِيجُ فِي أَوْطَانِ الْغَفْلَةِ وَالرُّكُونُ إلَى اتِّبَاعِ الشَّهْوَةِ وَالْإِخْلَادُ إلَى مَا دَعَتْ إلَيْهِ الْمَنِيَّةُ وَالْمُرِيدُ مُنْسَلِخٌ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَصَارَ خُرُوجُهُ أَمَارَةً عَلَى صِحَّةِ الْإِرَادَةِ فَإِنَّ تَرْكَ الْعَادَةِ أَمَارَةُ الْإِرَادَةِ وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كُنْت فِي الْبَادِيَةِ وَحْدِي فَضَاقَ صَدْرِي فَقُلْت يَا إنْسُ كَلِّمُونِي يَا جِنُّ كَلِّمُونِي فَهَتَفَ بِي هَاتِفٌ إيشْ تُرِيدُ فَقُلْت اللَّهَ فَقَالَ الْهَاتِفُ مَنْ قَالَ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ كَلِّمُونِي مَتَى يُرِيدُ اللَّهَ وَالْمُرِيدُ لَا يَفْتُرُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي الظَّاهِرِ بِنَعْتِ الْمُجَاهَدَاتِ وَفِي الْبَاطِنِ بِوَصْفِ الْمُكَابَدَاتِ فَارَقَ الْفِرَاشَ وَلَازَمَ الِانْكِمَاشَ وَتَحَمَّلَ الْمَصَائِبَ وَرَكِبَ الْمَتَاعِبَ وَعَالَجَ الْأَخْلَاقَ وَمَارَسَ الْأَشْوَاقَ وَعَانَقَ الْأَهْوَالَ وَفَارَقَ الْأَشْكَالَ.
وَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ الْإِرَادَةُ لَوْعَةٌ فِي الْفُؤَادِ وَلَذْعَةٌ فِي الْقَلْبِ وَغَرَامٌ فِي الضَّمِيرِ وَانْزِعَاجٌ فِي الْبَاطِنِ وَقِيلَ مِنْ صِفَةِ الْمُرِيدِينَ التَّحَبُّبُ إلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ وَالْخُلُوصُ فِي نَصِيحَةِ الْأُمَّةِ وَالْأُنْسُ بِالْخَلْوَةِ وَالصَّبْرُ عَلَى مُقَاسَاةِ الْأَحْكَامِ وَالْإِيثَارُ لِأَمْرِهِ وَالْإِحْيَاءُ مِنْ نَظَرِهِ وَبَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي مَحْبُوبِهِ وَالتَّعَرُّضُ لِكُلِّ سَبَبٍ يُوَصِّلُ إلَيْهِ وَالْقَنَاعَةُ بِالْخُمُولِ وَعَدَمُ الْقَرَارِ بِالْقَلْبِ إلَى أَنْ يُوَصِّلَ إلَى الرَّبِّ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الدَّقَّاقُ آفَةُ الْمُرِيدِ ثَلَاثَةٌ التَّزْوِيجُ وَكَتْبُهُ الْحَدِيثَ وَالْأَسْفَارُ وَقِيلَ لِبَعْضٍ لِمَ تَرَكْت كِتَابَةَ الْحَدِيثِ قَالَ مَنَعَنِي مِنْهَا الْإِرَادَةُ وَقَالَ حَاتِمٌ الْأَصَمُّ إذَا رَأَيْت الْمُرِيدَ يُرِيدُ غَيْرَ مُرَادِهِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ أَظْهَرَ نَذَالَتَهُ.
وَعَنْ الْجُنَيْدِ إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالْمُرِيدِ خَيْرًا أَوْقَعَهُ إلَى الصُّوفِيَّةِ وَمَنَعَهُ عَنْ صُحْبَةِ الْقُرَّاءِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الدَّقَّاقِ لَا يَكُونُ الْمُرِيدُ مُرِيدًا حَتَّى لَا يَكْتُبَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الشِّمَالِ عِشْرِينَ وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْمُرِيدُ إذَا سَمِعَ شَيْئًا مِنْ عُلُومِ الْقَوْمِ فَعَمِلَ بِهِ صَارَ حِكْمَةً إلَى آخِرِ عُمْرِهِ يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَوْ تَكَلَّمَ بِهِ انْتَفَعَ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ وَمَنْ سَمِعَ شَيْئًا مِنْ عُلُومِهِمْ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ كَانَ حِكَايَةً يَحْفَظُهَا أَيَّامًا ثُمَّ يَنْسَاهَا وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ أَشَدُّ شَيْءٍ عَلَى الْمُرِيدِ مُعَاشَرَةُ الْأَضْدَادِ وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ حُسَيْنٍ إذَا رَأَيْت الْمُرِيدَ يَشْتَغِلُ بِالرُّخَصِ وَالْكَسْبِ فَلَيْسَ يَجِيءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute