مِنْهُ شَيْءٌ.
وَعَنْ الْجُنَيْدِ حِينَ سُئِلَ عَنْ مُجَارَاةِ الْحِكَايَاتِ أَنَّهُ قَالَ الْحِكَايَاتُ جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَوِّي بِهَا قُلُوبَ الْمُرِيدِينَ وَعَنْهُ أَيْضًا الْمُرِيدُ الصَّادِقُ غَنِيٌّ عَنْ عِلْمِ الْعُلَمَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُرِيدِ وَالْمُرَادُ عِنْدَ الْقَوْمِ أَنَّ الْمُرِيدَ هُوَ الْمُبْتَدِئُ وَالْمُرَادُ هُوَ الْمُنْتَهَى أَوْ الْمُرِيدُ الَّذِي نُصِّبَ بِعَيْنِ التَّعَبِ وَأُلْقَى فِي مُقَاسَاةِ الْمَشَاقِّ وَالْمُرَادُ الَّذِي لَقِيَ الْأَمْرَ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ وَسُنَّةُ اللَّهِ مَعَ الْقَاصِدِينَ مُخْتَلِفَةٌ فَأَكْثَرُهُمْ يُوَفَّقُونَ لِلْمُجَاهَدَاتِ ثُمَّ يَصِلُونَ بَعْدَ مُقَاسَاةِ اللَّتَيَّا وَاَلَّتِي إلَى سَنِيِّ الْمَعَالِي فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُكَاشَفُونَ فِي الِابْتِدَاءِ بِجَلِيلِ الْمَعَانِي وَيَصِلُونَ إلَى مَا لَا يَصِلُ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الرِّيَاضَاتِ إلَّا أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يُرَدُّونَ إلَى الْمُجَاهَدَاتِ بَعْدَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُمْ مَا فَاتَهُمْ مِنْ الْأَحْكَامِ يَعْنِي مِنْ أَحْكَامِ آدَابِ أَهْلِ الرِّيَاضَةِ.
وَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ أَنَّ مُوسَى مُرِيدٌ حَيْثُ قَالَ - {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: ٢٥]- وَنَبِيَّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُرَادٌ حَيْثُ - قَالَ لَهُ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: ١]- وَقَالَ مُوسَى - {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣]- وَقَالَ لِنَبِيِّنَا - {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} [الفرقان: ٤٥]- وَقِيلَ أَرْسَلَ ذُو النُّونِ إلَى أَبِي يَزِيدَ رَجُلًا وَقَالَ لَهُ إلَى مَتَى النَّوْمُ وَالرَّاحَةُ وَقَدْ جَاوَزَتْ الْقَافِلَةُ فَقَالَ أَبُو يَزِيدَ قُلْ لِأَخِي ذِي النُّونِ الرَّجُلُ مَنْ يَنَامُ اللَّيْلَ كُلَّهُ ثُمَّ يُصْبِحُ فِي الْمَنْزِلِ قَبْلَ الْقَافِلَةِ فَقَالَ ذُو النُّونِ هَنِيئًا لَهُ هَذَا الْكَلَامُ لَا تَبْلُغُهُ أَحْوَالُنَا انْتَهَى كَلَامُ الْقُشَيْرِيَّةِ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى) لَعَلَّهُ حُجَّةٌ لِمَا مَرَّ مِنْ كَوْنِ الْخَشْيَةِ خَوْفًا مَعَ الِاسْتِعْظَامِ وَالْمَهَابَةِ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُمَا إنَّمَا يَكُونُ بِالْعِلْمِ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨] الْعَارِفُونَ بِجَلَالِ ذَاتِهِ وَعَظَمَةِ صِفَاتِهِ قِيلَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى انْحِصَارِ الْخَوْفِ مَعَ الِاسْتِعْظَامِ أَيْ الْخَشْيَةِ فِي الْعُلَمَاءِ وَإِلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ اللَّهِ عَالِمًا وَلِذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ فَلَيْسَ بِعَالَمٍ كَمَا فِي الْحَاشِيَة وَفِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ أَنَّ الْخَشْيَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِمَعْرِفَةِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ تُوجِبُ الْخَوْفَ وَاحْتِرَاقَ الْقَلْبِ فَيَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ بِالنُّحُولِ وَالْبُكَاءِ وَقَدْ تَنْشَقُّ الْمَرَارَةُ فَيَمُوتُ، وَالْجَوَارِحِ بِالْكَفِّ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْتِزَامِ الطَّاعَاتِ وَفِي الصِّفَاتِ بِقَمْعِ الشَّهَوَاتِ إلَى أَنْ تَصِيرَ مَكْرُوهَةً عِنْدَهُ فَلَا يَتَفَرَّغُ إلَّا لَهُ تَعَالَى بِالْمُرَاقَبَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ فِي الْأَنْفَاسِ فَقُوَّةُ الْمُرَاقَبَةِ عَلَى قُوَّةِ الْخَوْفِ وَقُوَّةُ الْخَوْفِ عَلَى قُوَّةِ الْمَعْرِفَةِ بِجَلَالِهِ تَعَالَى وَعُيُوبِ النَّفْسِ وَأَقَلُّ دَرَجَاتِ الْخَوْفِ الْكَفُّ عَنْ الْمَحْظُورَاتِ وَيُسَمَّى وَرَعًا وَإِنْ زَادَ إلَى الْكَفِّ عَنْ الشُّبُهَاتِ فَتَقْوَى لِأَنَّهَا فَرْطُ الصِّيَانَةِ وَتَرْكُ مَا يُرِيبُهُ إلَى مَا لَا يُرِيبُهُ وَتَرْكُ مَا لَا بَأْسَ بِهِ لَعَلَّ مِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ شَيْخِ شَيْخِنَا مُحَمَّدٍ مُرَادٍ الْبُخَارِيِّ النَّقْشَبَنْدِيِّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ أَنَّهُ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَوْقَ سُوقٍ سَقْفٌ بُنِيَ بِالظُّلْمِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَمُرَّ مِنْ تَحْتِهِ وَلَا يَرُوحَ مِنْ ظِلِّهِ وَإِذَا وَصَلَ مِنْ التَّجَرُّدِ إلَى أَنْ لَا يَبْنِيَ مَا لَا يَسْكُنُهُ وَلَا يَجْمَعَ مَا لَا يَلْبَسُهُ وَلَا يَأْكُلَهُ وَلَا يَلْتَفِتَ إلَى دُنْيَا يُفَارِقُهَا وَلَا يَصْرِفَ نَفَسًا مِنْ أَنْفَاسِهِ إلَى غَيْرِهِ تَعَالَى فَيُسَمَّى صَاحِبُهُ صِدِّيقًا فَسَبَبُ الْجَمِيعِ الْخَشْيَةُ وَسَبَبُهَا الْمَعْرِفَةُ وَالْمَعْرِفَةُ بِدَوَامِ الْفِكْرِ وَهُوَ بِدَوَامِ الذِّكْرِ وَإِنَّمَا يَتَيَسَّرُ هَذَا بِانْقِلَاعِ حُبِّ الدُّنْيَا وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِتَرْكِ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِقَمْعِ الشَّهَوَاتِ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِنَارِ الْخَوْفِ فَالْخَشْيَةُ شَيْءٌ يَحْصُلُ بِهِ الْعِفَّةُ وَالْوَرَعُ وَالتَّقْوَى وَالْمُجَاهَدَةُ {ذَلِكَ} [البينة: ٨] أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْجِنَانِ وَالرِّضْوَانِ {لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: ٨] فَإِنَّ الْخَشْيَةَ كَمَا عَرَفْت مِلَاكُ الْأَمْرِ وَبَاعِثُ كُلُّ خَيْرٍ لَعَلَّ هَذِهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى فَضْلِ الْخَشْيَةِ (دُنْيَا صف) ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْأَصْفَهَانِيُّ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَ أَتَّقِي النَّارَ؟ قَالَ بِدُمُوعِ عَيْنَيْك» أَيْ بِكَثْرَةِ الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى فُرُطَاتِهِ وَسَقَطَاتِهِ «فَإِنَّ عَيْنًا بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» مِنْ قَبِيلِ وَصْفِ النَّكِرَةِ الْعَامَّةِ بِالصِّفَةِ الْعَامَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute